زاد الاردن الاخباري -
عندما يغيب الأمن عن بقعة ما فإن الظلمة تعم ، وعندما يشعر المرء أنه مهدد في وطنه فإنه يركز جهده على حماية نفسه ويزهد فيما عدا ذلك.
سالم شاب يفيض بالطموح ،جاء من تلك القرى المنفية خلف أسوار الزمن طالبا العلم وباحثا عن موطئ قدم في الزحام ، جاء إلى عمان هاربا من القيل والقال وكثرة السؤال وساعيا إلى نيل درجة الدكتوراه ، متكبدا الغلاء والبلاء اللذين يحطان رحلهما عليه ، لم يشك يوما هما أصابه أو ضراء اعترته لأنه يدرك تماما أن " من يخطب الحسناء لا يغليه المهر " ويعي تماما أنه " لن يبلغ المجد حتى يلعق الصبرا " بيد أن ما حدث زلزل كيان هذا الشاب وصرفه عما جاء من أجله وافقده الثقة في كل شيء .
ما حدث يمكن أن يحدث في أي وقت ومع أي شخص بيد أن التبعات التي ترتبت على ما حدث كانت هي الحدث الذي أرقه جدا ودفعه إلى الرحيل والعودة من حيث جاء لا يحمل شهادة الدكتوراه بل حاملا خيبة وأشياء أخرى و يمتلك رغبة في الانتقام .
ما وقع يقع كل يوم وما تسمع به اليوم يمكن أن يحدث معك غدا ولكن ردة فعل الأمن العام بمسمياتها كانت هي الباعث على القهر والزهد في مواصلة الحياة في عمان والعودة إلى حيث الأهل والعشيرة والاحتماء بهما بدلا من مواصلة العلم .
حدث يا سادتي أنه تمت سرقة سيارة هذا الشاب وهي بالنسبة إليه كل ما لديه والمحرك الثاني بعد عقله ، وهذا يحدث كثيرا خاصة هذه الأيام ، فقام على إثرها بتبليغ الجهات الأمنية في نفس اللحظة ولكنه تفاجأ أن التعميم عن السيارة لم يصدر إلا بعد مضي اثنتي عشرة ساعة ، وهذا وقت كاف لأن يتصرف السارق كيفما شاء ، بيد أن هذا الشاب يؤمن بفكرة " ما حك جلدك مثل ظفرك " خصوصا بعد أن أخرج له أحد الشرطة كشفا يضم مئات السيارات المسروقة ، وهذه السيارة لا تتجاوز أن تكون إحداهن ، فشرع في البحث عنها متجشما الحر والعطش والسفر ، متجاوزا حساب الخسائر ، فما وهن وما استكان حتى عثر على ضالته بعد مرور ثلاثة عشر يوما من تاريخ سرقتها ، فعرف مكانها وأسماء الأشخاص الذين يستخدمونها ويحدد بيوتهم ، وقام بإبلاغ الجهات الأمنية المختصة ظنا منه أن المسألة قد انتهت ، وسيتم ضبط الأشخاص وتقديمهم إلى المحكمة ،ولكن ما حدث حقا كان مخيبا للآمال .
مرت عشر أيام وشيئا لم يحدث ، وكلما سأل أحدهم عن سبب التأخر في القبض على السيارة ومن فيها كانت الإجابات تتعدد بين " هذه منطقة عشائرية محظورة " و " نحن بانتظار السيارة حتى تخرج إلى عمان ويتم ضبطها " و " التخطيط جار " عشرة أيام وهم يعدونه أن يحضروها له وكل يوم تخرج السيارة وتجوب أرجاء المكان وكل يوم تبقى في أيديهم يصيبها الهرم .
هنا بدأ يسمع قصصا عجيبة وغريبة حتى ظن أنه في شيكاغو وليس في الأردن – البلد الذي يشعر فيه الغريب بالأمان – سمع أن كثيرا من الناس تم سرقة سياراتهم ثم قاموا بشرائها من اللصوص لعدم مقدرة الشرطة بالتدخل .
وعندما أيقن بعدم قدرة الأجهزة الأمنية على جلب سيارته استسلم للأمر فذهب إلى بيت اللصوص واشترى سيارته منهم – اشترى ماله – ووضعها أمام المركز الأمني لإجراء اللازم ، فما كان منهم إلا أن أثنوا على عزمه وقوة قلبه التي مكنته من الدخول إلى تلك المنطقة .
ليس هذا فقط بل قام بتقديم شكوى ضد اللصوص وقد مرت أيام كثيرة وما زالوا يرتعون ويلعبون وهو كسير الهم وحبيس الخيبة .بات يتساءل هذا المواطن المستفز : هل أنا آمن في وطني ؟ هل هناك مناطق محظورة في الأردن يتعذرعلى الأمن الوصول إليها؟ هل أضاعوا حقي لأنذر نفسي في تحصيله ؟ كل هذا يحدث في بلدي و أنا مواطن حزين وناقم وأريد حقي .