زاد الاردن الاخباري -
رغم تفوق روسيا على أوكرانيا من حيث القدرات الجوية وعدد الطائرات لكن موسكو لم تستطيع حسم "معركة السماء" بعد دخول الحرب بين الجانبين عامها الثاني، بينما يشير خبراء في حديثهم لصحيفة "التايمز" البريطانية لأسباب ذلك الفشل الروسي.
وتحتل روسيا المرتبة الثانية عالميا من حيث القوة الجوية، بينما تأتي أوكرانيا في المرتبة 31 بين أقوى القوات الجوية على مستوى العالم، وفقا لتصنيف "غلوبال فاير باور" لعام 2023.
ويشير البروفيسور جاستن برونك كبير الباحثين في شؤون الدفاع الجوي في معهد المملكة المتحدة للخدمات ودراسات الأمن والدفاع "روسي"، إلى القوة الجوية الروسية "الأكبر حجما"، ويقول "في بداية الحرب كان التوقع هو أن روسيا ستحقق تفوقا جويا ثم تقصف المدن كما فعلت في سوريا وجورجيا والشيشان، لكنها فشلت في ذلك".
ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى التقليل الروسي المستمر من تقدير قدرات أوكرانيا وخاصة فيما يتعلق بأنظمة الدفاع الأرضي، حسب حديثه لـ"التايمز".
وكانت صواريخ أرض - جو (سام) والتي تستخدم تكنولوجيا الرادار لتحديد وتحييد التهديدات القادمة، محورية في نجاح أوكرانيا حتى الآن في وقف التهديدات الجوية الروسية.
معركة "أرض - جو"؟
قبل الغزو كانت أوكرانيا تمتلك مخزونا كبيرا من تلك الصواريخ يعود إلى الحقبة السوفيتية وكان أهمها من الناحية الاستراتيجية (9M38M1) والتي يشار إليها باسم "نظام صواريخ بوك".
ودخلت صواريخ "بوك" الخدمة مع الجيش السوفيتي في عام 1980، ويمكن لنظام الدفاع الجوي هذا هزيمة الطائرات والمروحيات التي تحلق على ارتفاعات منخفضة أو عالية عندما يستخدم العدو تدابير مضادة إلكترونية، حسب موقع "مليتري توداي".
ويقول محلل الشؤون الدفاعية والمدير السابق لـ"روسي"، مايكل كلارك، إن أوكرانيا تشهد معركة جوية لكنها ليست معركة "جو-جو" إنما معركة "أرض- جو".
ويشير إلى أن أوكرانيا تدافع عن "سمائها من الأرض"، في إشارة لمنظومات الصواريخ "أرض- جو".
وفي المدن الأوكرانية المحاصرة مثل ماريوبول، تمكنت روسيا من تدمير صواريخ "سام" الأوكرانية وقصف المدينة بالصواريخ.
واستطاعت القوات الروسية تدمير المدينة الساحلية الواقعة بجنوب شرق أوكرانيا بشكل كامل، ويعد ذلك "تذكير وثيق الصلة" بما يحدث عندما تنجح روسيا في كسب التفوق الجوي، حسب "التايمز".
في 21 أبريل 2022، أعلن الكرملين دخول ماريوبول، الميناء الاستراتيجي على بحر آزوف الذي كانت تحاصره قواته وتقصفه منذ مارس مما أدى إلى قطع الإمدادات الحيوية والمياه والكهرباء والتدفئة.
سمحت السيطرة على هذه المدينة لروسيا بضمان التواصل بين قواتها من شبه جزيرة القرم - شبه الجزيرة الأوكرانية التي ضمتها موسكو في عام 2014، والمناطق الانفصالية في إقليم دونباس، وفقا لـ"فرانس برس".
لكن ما يقرب من 2000 مقاتل أوكراني واصلوا القتال متحصنين في متاهة مصنع آزوفستال تحت الأرض مع ألف مدني، وقاوم المقاتلون حتى منتصف مايو قبل الاستسلام، و قالت كييف إن 90 بالمئة من ماريوبول دُمرت وقُتل فيها ما لا يقل عن 20 ألف شخص.
وفي أماكن أخرى، أبقت أوكرانيا صواريخ "سام" باستمرار في حالة حركة، مما قوض قدرة الروس على تدميرهم.
وأجبر هذا القوات الجوية الروسية على الطيران على ارتفاع منخفض، لأن هذا يجعل صواريخ "سام" أقل فعالية.
مراحل الحرب الجوية
في فجر 24 فبراير، بدأ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، "عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا"، وبدأ الغزو واسع النطاق بضربات جوية في جميع أنحاء البلاد، حسب "فرانس برس".
وخلال المرحلة الأولى من الحروب الجوية والتي تمتد من بداية الغزو في 24 فبراير وحتى نهاية أبريل من العام الماضي، كثف الطيران الروسي من قصفه للمدن الأوكرانية، ودوت قرابة 6800 صافرة إنذار في جميع أنحاء أوكرانيا.
ويُعتقد أن روسيا نفذت 200 طلعة جوية يوميا في الشهر الأول من الحرب، مقارنة بخمس إلى عشر طلعات جوية نفذتها أوكرانيا، وفقا لوزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون".
وبحلول نهاية الربيع، كانت آمال روسيا في الاستيلاء على العاصمة كييف بسرعة منسية طويلة، واستقرت الخطوط الأمامية في الشرق وتغيرت طبيعة الحرب الجوية، حسب "التايمز".
وفي الثاني من أبريل، أعلنت أوكرانيا تحرير منطقة كييف بأكملها بعد "الانسحاب السريع" للقوات الروسية التي أعادت انتشارها في الشرق والجنوب من أجل "الحفاظ على سيطرتها" على الأراضي التي تحتلها هناك، حسب "فرانس برس".
ويقول برونك: "بعد أن حاولت القوات الجوية الروسية الحصول على مستوى منخفض لتفادي صواريخ "سام"، تكبدت موسكو خسائر غير مقبولة ولم يتمكن الطيارين الروسي من إصابة الأهداف بدقة وفعالية كافية لتبرير معدلات الخسارة".
وبشكل أساسي، تخلى الروس عن طلعات جوية تخترق الخطوط الأمامية بطائراتهم المقاتلة وطائراتهم المروحية في أبريل من العام الماضي، حسب برونك.
لكن بحلول سبتمبر، تغيرت معركة السماء مرة أخرى، بعدما اشترت روسيا مسيرات إيرانية رخيصة من طراز "شاهد -136"، واستخدم الروس هذه الطائرات بشكل مكثف طوال شهر أكتوبر.
و"شاهد-136"، هي طائرات إيرانية بدون طيار تنفجر رؤوسها الحربية في عمليات "هبوط انتحارية"، واستخدمتها روسيا لضرب البنية التحتية المدنية للطاقة في أوكرانيا.
ومنذ أكتوبر، قصفت روسيا بشكل منهجي محطات الطاقة والمحولات الأوكرانية بالصواريخ والطائرات المسيرة، فغرق السكان في الظلام والبرد القارس، حسب "فرانس برس".
وتبلغ تكلفة تلك المسيرات حوالي 25000 دولار، لكنها بطيئة وتصدر ضجيجا وبالتالي يسهل إسقاطها، واسقطت أوكرانيا بالفعل 85 في المائة من هذه الطائرات في أكتوبر، وفقا لمسؤولين أوكرانيين.
وخلال المعركة الجوية، تستخدم روسيا أيضًا "صواريخ غير مسلحة" بالإضافة إلى بالونات والطائرات بدون طيار التي تحاكي إشارة الرادار لصاروخ لتشتيت واستنفاد أنظمة الدفاع الأوكرانية، حسب "التايمز".
وعن ذلك، يتحدث جاستن كرامب، الرئيس التنفيذي لـ(Sibylline) وهي شركة استشارية في مجال الاستخبارات وتحليل المخاطر، عن " لعبة الخداع في المعارك الجوية"، ويقول "يتعلق الأمر بالتحايل على عدوك، وإثقال كاهل دفاعاته عن طريق حملهم على النظر في اتجاه وإطلاق الصواريخ في اتجاه آخر".
وغيرت القوات الجوية الروسية "أهدافها المفضلة" فقد ابتعدت عن محاولة ضرب "صواريخ سام"، الأوكرانية نحو استخدام الطائرات بدون طيار والصواريخ لضرب أهداف ثابتة مثل البنية التحتية للطاقة.
ومنذ بداية الحرب وحتى نهاية الشهر الماضي، تم إطلاق أكثر من 21500 صافرة إنذار للغارات الجوية في جميع أنحاء أوكرانيا، وأفادت كلية كييف للاقتصاد أن ما يقرب من 150 ألف مبنى سكني تضررت أو دمرت بحلول نهاية العام الماضي.
في الوقت الحالي، توقفت الحروب الجوية حيث لم يكن أي من الجانبين على استعداد للمخاطرة بتحليق طائراتهم ومسيراتهم عبر خط المواجهة ليواجهوا تحدي وحدات الدفاع الجوي الأرضية للخصم.
في الشهر الماضي، ذهب الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في جولة بالعواصم الأوروبية للضغط من أجل الحصول على تبرعات بطائرات مقاتلة لتحديث أسطول أوكرانيا الذي يعود إلى الحقبة السوفيتية.
ودأبت أوكرانيا على مطالبة حلفائها بإرسال مقاتلات حديثة، لتحل محل أسطولها القديم من طائرات ميج وسوخوي السوفيتية.
وقدمت دول الغرب مساعدات لأوكرانيا، لكنها لم تصل لحد تقديم طائرات إف-16 المقاتلة التي طلبتها كييف ويثير بعض المسؤولين الأمريكيين الشكوك حول قدرة مثل هذه الإجراءات على إبطاء الأعمال العدائية المتزايدة في ساحة المعركة قبل هجوم الربيع المتوقع، حسب "رويترز".
وأكد برونك أن الطائرات المقاتلة ستحسن قدرات أوكرانيا الجوية، لكنها لن تغيير حقيقة أن هذا "صراع جو-أرض".
بدائل للطائرات
لا يزال التنافس على التفوق الجوي عاملا حاسما محتملا في الحرب، ولهذا السبب، يمكن أن يكون للتحديث الكبير لأنظمة الدفاع الجوي الأرضية في أوكرانيا واقعا مؤثرا على نتيجة الصراع، كما يقول برونك.
وكانت هناك مناقشات حول قيام الغرب بتصنيع نسخ من صواريخ سام السوفيتية وذخيرة متوافقة لمساعدة أوكرانيا، وفقا لما ذكره برونك.
وفي الوقت الحالي، ربما تكون الأولوية الأكبر هي الحفاظ على صواريخ السام الأوكرانية، لأنها تتطلب ذخيرة من الحقبة السوفيتية لم تعد تُصنع، حسب "التايمز".