ماهر أبو طير - هناك تناقض في التحليلات السياسية، بشأن احتمال وقوع حرب في المنطقة، تبدأ بتوجيه ضربة ضد إيران، وهي ضربة قد تتوسع إلى حرب إقليمية- دولية في توقيت يفيض بالحساسية.
حركة المسؤولين الأميركيين في المنطقة، أثارت شهية المحللين السياسيين، إذ خلال فترة وجيزة زار المنطقة، مستشار الأمن القومي جاك سوليفان، ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ثم زيارة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، وبرغم أن الصياغات الرسمية للأخبار تتحدث في أغلبها عن القضية الفلسطينية، ووقف ما يسمى بالعنف داخل فلسطين، إلا أن هناك رأيا يقول إن الولايات المتحدة تمهد لضربة عسكرية واسعة ضد إيران، لاعتبارات كثيرة، مع المعلومات التي تتحدث عن إنجازات إيرانية متزايدة على صعيد صناعة الأسلحة النووية، ووجود أدلة على ذلك.
هذا يعني أن العنوان الفلسطيني، مجرد عنوان للتغطية والتمويه على غايات هذه الزيارات، كما أن التبريد في الملف الفلسطيني، له هدف يتجاوز آلام الفلسطينيين، نحو التركيز على إيران فقط.
وسط هذه الحركة الأميركية العلنية- ولا نعرف شيئا عن السرية- ، قام مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي بزيارة إلى طهران، بعد أيام من تأكيد الوكالة إحراز إيران تقدما غير مسبوق في تخصيب اليورانيوم، بعد العثور على جزيئات يورانيوم مخصبة بمستوى يقترب من النسبة اللازمة لإنتاج قنبلة نووية، حيث أشار تقرير سري لوكالة الطاقة الذرية إلى أنه تم العثور على جزيئات من اليورانيوم المخصب بنسبة 83.7 %، أي أقل بقليل من 90 % اللازمة لإنتاج قنبلة ذرية، بمصنع فوردو الواقع تحت الأرض على مسافة 100 كيلومتر جنوب طهران.
في المقابل يترقب الإسرائيليون المشهد بقلق شديد، خصوصا، مع المعلومات الأمنية حول التطورات التقنية في إيران، والمخاوف من الوصول إلى مرحلة صناعة أسلحة نووية.
يلتقي الموقف الإسرائيلي مع نقطتين، أولهما الأزمة السياسية في إسرائيل التي تواجهها الحكومة الحالية، التي تدفعها باتجاه افتعال حرب مع شركائها ضد إيران، للخروج من الأزمة الداخلية، وثانيهما المخاوف من انفجار الوضع داخل القدس والضفة الغربية وغزة، بما يستدرج إسرائيل إلى معركة داخلية بديلة ويعطل قدرتها على شن حرب بالشراكة ضد إيران، بما يبرر الضغوطات الدولية التي تمارسها واشنطن ودول متنفذة على إسرائبل لتهدئة الداخل الفلسطيني، لضمان عدم انفجار جبهة غير متوقعة، ولضمان بقاء الرأي العام العربي والإسلامي، متفرجا، إذا تم شن حرب ضد إيران، لا تسبقها مذابح دموية أو ضربات عسكرية ضد أبناء الشعب الفلسطيني.
هناك تعقيدات في المشهد، وتضارب في الحسابات، خصوصا، مع المعلومات التي تتوقع أن إيران قد تكون أنجزت أصلا أسلحة نووية، برغم عدم وجود أدلة على هذا الرأي، إضافة إلى تمدد إيران وقوتها الإقليمية في العراق، وسورية، ولبنان، واليمن، وفلسطين، وقدرتها العسكرية-بوجود شركاء لها- على الرد على أي ضربة عسكرية، بطريقة تؤكد أنها ستكون خطيرة، وشاملة، بما يفسر حجم التردد الإسرائيلي، والمحاولات الأميركية لتجنب الحرب حتى اللحظات الأخيرة، واستبدالها بوسائل ضغط أقل تأثيرا، مع معرفة واشنطن أن توجيه ضربة عسكرية سيؤدي إلى آثار لا يمكن وقفها على صعيد أمن المنطقة واقتصاداتها، وأسعار النفط، والملاحة، وما يتعلق بأمن إسرائيل الهش، الذي لا يحتمل أي موجة من ردود الفعل التي قد تتنزل من جبهات عديدة.
واشنطن تريد إنهاء الخطر الإيراني، إما عبر الاحتواء والمصالحة بهدف نزع قوة إيران، والسيطرة لاحقا على ثرواتها، بدلا من ذهابها للأوروبيين، وإما عبر الحرب التي لا تضمن تحولها إلى حرب ممتدة، خصوصا، مع مستنقع أوكرانيا، والحرب مع روسيا، وشراكة الصين وكوريا الشمالية.
السؤال الأهم يرتبط بمن سيكون قادرا على حسم الموقف هنا، واتخاذ قرار بتوجيه ضربة عسكرية، أم لا، ومن سيقبل من دول جوار إيران، والإقليم توجيه هكذا ضربة، قد ترتد على كل دول المنطقة، ومن سيتبنى اللجوء إلى حلول وسطى، بدلا من الحرب، فيما الخاصرة الإسرائيلية تبقى مهددة، وسط هذه العوامل المتناقضة، التي ستجعلنا على الأغلب أمام منطقة ملغمة.
إشعال الحرب، سهل، لكنه لا يعني بالضرورة القدرة على وقفها لاحقا، أو القدرة على التحكم في حدودها، وإلى أين ستصل هذه المرة، وتحضير العفريت، لا يعني القدرة على إعادته أو صرفه.
الغموض يلف المنطقة.