زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - متى تجلس التجربة على ركيزتها الجديدة التي تحمل اسم “مجلس الأمن القومي” في الأردن؟ سؤال لا ترغب حتى الحكومة باستعجال الإجابة عنه، لكن الحنين لإعلان تشكيل هذا المجلس صاحب الصلاحيات الدستورية العميقة يمكن تلمسه في كل أرجاء وأزقة مشروع تحديث المنظومة السياسية للبلاد، خصوصاً أن الاعتقاد يتصدر بأن الكلام عن المئوية الثانية للدولة الأردنية هو المعادل الموضوعي للمرتكز الثالث المرتقب والمنتظر باسم مجلس الأمن القومي الذي أقر وأثار الجدل بموجب تعديلات دستورية.
فهمت “القدس العربي” مبكراً من رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة بأن الاستعجال في طرح أسئلة عن تأخر إعلان تشكيل مجلس الأمن القومي لا مبرر له، ليس لأن المسألة بين يدي صاحب القرار فقط، ولكن لأن الأصل في المجلس المشار إليه هو الاستثناء والحالة الطارئة، بمعنى أنه يدعى لعقد اجتماع عندما يستوجب الأمر ذلك.
تبنت حكومة الخصاونة بحماسة العام الماضي كل المقتضيات الاشتباكية المرتبطة بالمجلس القومي والضجيج الذي أثاره سياسيون كبار بينهم القطب البرلماني صالح العرموطي بعنوان أن الاعتداء على صلاحيات السلطة التنفيذية وتقليصها أو المساس بالولاية العامة لم يفلح بوضع فكرة المجلس ومشروعه على رف الاحتياط.
اعترض العرموطي وغيره وخرج رئيس الوزراء الأسبق المخضرم عبد الرؤوف الروابدة وسياسي محنك مثل الدكتور ممدوح لعبادي وغيرهما بتعليقات تظهر الانزعاج من تعديلات دستورية لم تكن مبررة انتهت بتخصيص مساحة في القضايا العميقة لقرارات يتخذها مجلس الأمن القومي والذي ينص القانون على أن قراراته إذا انعقد ملزمة ونهائية إذا ما دعي للانعقاد بأمر ملكي.
في نقاش سابق مع “القدس العربي”، فسر رئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة سمير الرفاعي مشروع مجلس الأمن القومي باعتباره خطوة ضامنة لمصالح الدولة العليا في حال تكريس مبدأ العمل الحزبي، لا بل زاد بأن المجلس ضمانة لحماية مشروع تحديث المنظومة السياسية والمخرجات لاحقاً. والأهم أن المجلس أقر دستورياً، والضجيج الذي ثار معه أو ضده ذاب وتلاشى. لكن هذا المجلس المهم والاستثنائي لم يتشكل بعد ولم يدع لأي اجتماع، وفي تقييم الخصاونة لا يوجد ظرف طارئ يستدعي عقد اجتماع، وقرار التشكيل تتخذه المرجعية في الوقت الملائم، ولا مبرر لتركيز الأضواء على مجلس حدد الغرض الدستوري منه بوضوح.
ما الذي يعنيه أصلاً تشكيل مجلس الأمن القومي في الأردن؟… سؤال انتهى بعدة إجابات منثورة في المشهد النخبوي، لكن الانطباع الأساسي والمفصلي هو أن تشكيل مثل هذا المجلس كان ضرورة قبل الاتجاه نحو “مغامرة ما”. فما هي المغامرة التي يمكن أن تكون مقصودة وتتطلب الأسوار الوقائية الاحتياطية؟
سؤال آخر مستنسخ من الأسئلة المركزية، والأمر قد يتعلق باجتهادات في الإجابة هنا، بعضها يشير إلى أن المضي قدماً في الحياة الحزبية في بالبلاد وخلال السنوات التسعة المقبلة قد يكون هو المغامرة المرجحة، خصوصاً أن مشوار التحديث الحزبي الحالي سيقف بعد سنوات عند محطة برلمان بأغلبية حزبية أو حكومة بأغلبية برلمانية حزبية. سأل الدكتور العبادي مبكراً عن جدوى تحصين بعض المساحات والملفات إذا كانت النية تتجه فعلاً نحو حكومات حزبية، مقترحاً بأن العمل الحزبي الحقيقي ينتهي بقبول ما تفرزه صناديق الانتخاب ويتضمن آليات وتقنيات لمحاسبة الأحزاب الحاكمة أو التي تحكم. لذا، لا مبرر -برأي العبادي وآخرين- لنزع الدسم مبكراً من حكومات مفترضة لم نصل إليها بعد وقد لا نصل، أو لنزع الدسم مسبقاً من أغلبيات حزبية تمثل أحزاباً لم تتشكل بعد وقد لا تتشكل.
إنه نمط مشروع من المخاوف. لكن المهم مجدداً أن تأخير الإعلان عن تشكيل مجلس الأمن القومي المستحدث دستورياً يتحول إلى لغز سياسي ودستوري في كل حال، وأن فكرة المغامرة قد لا تقتصر على تجربة جدية نحو حكم الأحزاب، بل قد تطال بالطريق أيضاً ما يسمى اليوم بمطالبات واحتياجات إعادة بناء الدولة حصراً في مئويتها الثانية، خلافاً لأنها قد تحتاط في دربها لما يمكن أن ينتج عن حالة تتضخم فيها الحزبية على حساب مراكز الثقل العشائري التي بقيت طوال عقود تحتل الكثير من المساحات.
الأحزاب من الصعب أن تمثل بديلاً منتجاً عن التقاليد العشائرية المحكمة في المجتمع الأردني، خصوصاً إذا كانت -على رأي السياسي مروان الفاعوري- ليست حقيقية، بل أشتال للزينة مستنبتة ومصنعة في استغفال ملموس ينطوي على إهانة للأردنيين بعد مئة سنة من عمر دولتهم.
مخاوف الفاعوري أيضاً مشروعة وينبغي أن تؤخذ بالحساب، في الوقت الذي لا تبدو فيه عملية تشكيل وتركيب وتصنيع المساحات الحزبية بعنوان التوافق.
يتواصل جدل الأردنيين بكل مفاصل وتفاصيل مشروعي التحديث والتمكين، لكن حتى اللحظة لا أحد يجيب عن سؤال تحاول تغافله الحكومة: لماذا يتأخر إعلان مجلسي الأمن القومي الجديد.. ما هي ملامح المغامرة المنتظرة؟
«القدس العربي»