يشكّل البحث العلميّ أحد أهمّ العوامل الأساسيّة لتقدّم المجتمعات، خصوصًا في ظلّ ما يشهده هذا العالم من تقدّم مذهل للعلوم، وتكنولوجيا المعلومات، والاتّصالات التي كان لها أثرًا كبيرًا في زيادة قوة ورفاهيّة الدول المتقدّمة. خاصة وأن البحث العلميّ يشمل كلّ مناحي الحياة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافية والعلميّة، تؤدّي نتائجه المُهِمَّة إلى خدمة قضايا المجتمع. وهنا لا بدّ من ذكر بعض أهدافه .
التوصل إلى المشكلات بطريقة نظاميّة.
التوصل إلى إبتكارات جديدة، أو إختراعات حديثة في مجال التخصّص.
التوصّل إلى نتائج يمكن تعميمها وتنفيذها.
التوصية باتّخاذ تصرّفات مناسبة، أو إجراءات معيّنة لتنفيذ النتائج التي تمّ التوصل إليها.
وهكذا فإنّ قيمة البحث، هو فيما ينتج من أفكار وآراء جديدة، وإيجاد حلول ومقترحات مناسبة لحلّ الكثير من المشكلات التي يعاني منها المجتمع، ويكشف أيضًا عن معلومات متعدّدة في الحياة، وبلورة الأفكار العلميّة بغية الوصول إلى النتائج المرجوة، حيث يؤدّي إلى المنفعة المادّيّة، والمعنويّة للمجتمعات من خلال تسريع خطى التنمية، وبالتالي تقدّمها في المجالات الإقتصاديّة، والإجتماعيّة، والسياسيّة وغيرها. إذ من غير الجائز أن يكون البحث بلا هدف. كما لا يجوز أن ينظر إلى البحث العلميّ على أنّه ترف علميّ، أو ذهنيّ، إنّما يجب أن يحافظ على دوره كعنصر أساسيّ في تقدّم الأردن والسير به في مقدمة الأمم والشعوب.
فإنتاج المعرفة العلميّة تشكّل اليوم عصب التقدّم الحضاريّ، ولا بدّ من أن تقوم على أسس وطيدة من ناحية الأمانة في البحث، والحذر، والتدقيق في تسجيل المعطيات والبيانات، وإحترام جهد الآخرين، وإعطاء الفرصة للباحثين على إختلاف رؤيتهم ومستوياتهم، وترك نتائج الأبحاث العلميّة متاحة، فضلًا عن تفادي سائر أشكال الإنتحال، والخداع، والسطو، والسرقات العلميّة. وهنا ينبغي على الباحثين أن يكونوا موضوعيّين، وغير منحازين، وصادقين في سائر مناحي البحث. وهذا المبدأ هو أهمّ قاعدة في العلم، ذلك لأنّه إن لم يُتَّبَع، فيستحيل علينا أن ننجز أهداف العلم. فلا البحث عن المعرفة، ولا حلّ المشكلات العمليّة يمكن أن يمضي قُدُمًا إذا تفشى الخداع وابتعدنا عن الأمانة، لأنّ الأمانة تزكّي التعاون، والصدق الضروريّين للبحث العلميّ. وهنا يمكننا القول إنّه من المستحيل قيام رفاه ثقافيّ، وإقتصاديّ، وإجتماعيّ، وسياسيّ من دون الإستفادة من العلم، لأنّ البحث العلميّ مسألة أساسيّة في التغيير، والتقدّم، والنهوض في بلدنا الأردن بل وفي العالم بأسره . والبلد الذي لا يدعم البحث العلميّ مصيره البقاء في الظلام.
ولعلّ من أهمّ المشكلات التي تواجه البحث العلميّ في الأردن تتمثّل بالتالي :
أولا- عدم التمكّن من الوصول إلى بعض ميادين المعلومات بالإضافة إلى صعوبة جمع البيانات اللازمة من ذلك، وعلى سبيل المثال المراكز التي تعاني التقصير في بعض المراكز التعليميّة، والمستشفيات الحكوميّة، والخاصّة، حيث إنّ هذه الممارسات تهدف إلى إخفاء الحقائق.
ثانيا- الهجرة الخارجيّة للعقول، والكفاءات العلميّة، ولعلّها من أهمّ المشاكل التي تواجه ميدان البحث العلميّ في الأردن بشكل عامّ، إذ تتحمّل الدولة إعداد الكفاءات العلميّة، وتكاليف التدريس، ومن ثَمَّ حرمانها من توظيف هذه الكفاءات وإستثمارها نتيجة عمالتها خارج الدولة.
ثالثا- عدم ثقة المواطنين بإمكانيّة البحث العلميّ في حلّ المشاكل، حيث إنّ البعض يذهب إلى عدم وجود مشاكل تتطلّب بحثها علميًّا.
رابعا- معاناة معظم الأبحاث في الأردن من عدم جدّيّتها، وذلك يرجع لأسباب عدّة منها: عدم انطباقها على المشاكل الحقيقيّة، إضافة إلى دوافع الباحث الذاتيّة كالرغبة في الترقيّة العلميّة، أو بقصد الهدف المادّيّ مثل بيعه لمعاهد تعليميّة، أو لجامعات وطلبة.
خامسا- تبقى الأبحاث نظريّة، وبالتالي لا يستفاد من تطبيقها، لذا تذهب الأموال هباءً منثورًا.
سادسا- الضَعف البنيويّ في مستوى الأبحاث العلميّة التي تمّ إنتاجها، وهذا ما يؤدّي إلى عدم إسهامها في تطوير المسيرة التعليميّة العلميّة الأردنية، والتنمويّة في المجتمع.
فالبحث العلمي ذا القيمة يقدّم للإنسانيّة شيئًا جديدًا، ويسهم في تطوير المجتمعات وتقدّمها، ونشر الوعي والثقافة، وبقدر ما يرتبط البحث بالواقع المعيش، بقدر ما تزداد أهمّيّته، على عكس المواضيع الخياليّة البعيدة عن الواقع التي تفقد أهمّيّتها. من هنا أصبح لزامًا على الباحث أن يتوجّه باختياره للمواضيع ذات الفائدة التي تهمّ المجتمع، ويقدّم خدمة معرفيّة، وعلميّة للناس. فالمريض الذي يتألّم، بحاجة إلى طبيب يخفّف عنه الألم، ويقدّم له العلاج النافع، وليس إلى طبيب يفلسف له الطبّ ويحدّثه عن تاريخه. وبشكل عامّ، فإنّ الدراسات، والأبحاث التي يكتبها الباحثون في جميع الإختصاصات تقدّم للإنسانيّة خدمات جليلة.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات العربية الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي