تخصص الأمم المتحدة أياما من السنة للتذكير أو الاحتفاء بقضايا ورموز وعناوين تعتقد بضرورة الإشارة اليها. في الثامن من آذار من كل عام، تحتفل الأمم المتحدة بتخصيص هذا اليوم ليكون اليوم العالمي للمرأة، في إشارة لمكانة المرأة في المجتمعات والعالم، والحث على الانتباه لهذه المكانة، وبالتالي إسناد المرأة وتكريمها ودعمها في القضايا والتحديات كافة التي تواجهها. البعض يعتقد أن الأمر صوري ديكوري لا يسمن ولا يغني من جوع، يشهد مبادرات واستعراضات من قبيل إعطاء المرأة مكانا لها في الصف الأول من المؤسسات كمدير أو رئيس وفقط ليوم واحد يزول بعده هذا التكريم وتعود الأمور لطبيعتها، وآخرون يرونه نوعا من النفاق للمرأة لأن الأفعال لا تتناسب أبدا مع الأقوال، وأن الذكورية في المجمعات طاغية لن يتم كبح جماحها في يوم نخصصه للمرأة ونتناساها في باقي أيام السنة. أيا كانت الآراء حول تخصيص يوم عالمي للمرأة، تبقى بادرة جيدة تذكرنا بنصف المجتمع الأفضل، وتستحضر التاريخ الذي نشرف أنه كان سباقا لإنصاف المرأة، وتنبهنا للكثير من التحديات التي ما تزال تواجه المرأة.
أميل للاعتقاد أن المرأة الأردنية حققت الكثير من التقدم على طريق بناء حضورها في العمل العام، بدءا من حقها في الترشح والانتخاب منذ بدايات الدولة عندما كان ذلك أمرا مستهجنا في شرق أوسط محافظ، مرورا بانتخاب أول امرأة بالبرلمان عن المقعد الشركسي في العام 1993 يوم احتفت فينا الصحافة العالمية لأيام عديدة، وبعدها في مطلع الألفية الثالثة تم تخصيص كوتا للنساء أسهمت بتقوية الحضور النسائي بالبرلمان حتى ألفه المجتمع وبدأ يدعمه، وأخيرا تخصيص نسبة للنساء المؤسسات في الأحزاب لا تقل عن 20 % ملزمة بموجب أحكام القانون، وتخصيص مقاعد لهن في القائمة الوطنية بمواقع متقدمة، وتخصيص كوتا للنساء للدوائر الانتخابية وليس المحافظات، ما رفع الكوتا لتصبح 18 بدل 15، وهذا يعني أن البرلمان المقبل سيشهد حكما عددا غير مسبوق للنساء تحت قبة البرلمان. ولا ننسى بالطبع إلغاء المادة من قانون العقوبات التي كانت توجب تزويج المغتصب لضحيته! وتعديل القانون أيضا لإعطاء حرية السفر والوصايا على الأولاد للأم؛ تخيلوا أن أما منفصلة عن زوجها كانت لا تستطيع الموافقة على إجراء عملية للابن دون إذن طليقها!
بعض الإنجازات المذكورة أعلاه مهمة ومقدرة أنصفت النساء وأطلقت بعضا من طاقاتهن، ولكن ما يزال المشوار طويلا لإنصاف المرأة التي أنصفها تاريخنا وديننا الذي كان ثوريا أعطاها نصف الإرث في زمن كان ذلك من أشد المحرمات، وكرمها بالتعامل الكريم اللين كما يروى عن الرسول الكريم عليه السلام. من أهم التحديات التي تواجه المرأة في الأردن على الإطلاق أن نسبة مشاركتها بسوق العمل من الأقل عالميا، وهذا يعزى لأسباب عدة، أهمها سوء المواصلات والنقل. ومع خطورة هذا التحدي، أتت رؤية التحفيز الاقتصادي بالقليل القليل عن تحديات المرأة الاقتصادية ودورها. ومن التحديات الأخرى التنميط الاجتماعي الذي ما يزال سائدا ومقبولا، والعنف موجود وإن في تراجع والحمد لله. ومنها كذلك أن عديد التشريعات تحتاج لتصويب لإنصاف المرأة.
المشوار طويل صعب ولكننا على الطريق الصحيح.