في كل مرّة تلوح فيها موجة جديدة من الضرائب ورفع الأسعار لمواجهة عجز متفاقم في الموازنة، يثار موضوع البذخ والهدر في الإنفاق الحكومي.
وتبادر الحكومة، كالعادة، إلى الإعلان عن خطط وإجراءات تقشفية تعبيرا عن مشاركة المواطنين سياسة شدّ الأحزمة على البطون. ويتطوع المعلقون في إرشاد الدولة الى مجالات هدر يمكن التوفير فيها ابتداء بإطفاء الموظفين الأنوار خلفهم حين يخرجون من المكاتب.
وقد سبق لكل حكومة سابقة تقريبا أن مرّت بهذا، حيث يعلن عن إجراء مثل تقييد حركة السيارات أو صرف سيارات جديدة وتحديد سعة محرك السيارة المتاحة لكل مستوى، ثم لا تلبث الأمور أن تعود لسابق عهدها.
وفي الحقيقة أن قضية ترشيد الإنفاق الحكومي لم تخضع يوما لدراسة وتقييم علمي وقياس ودراسة أثر، فكمّ مرّة تمّ اتخاذ إجراءات محددة وتمّ قياس النتائج وحجم الوفر خلال فترة معينة؟ مراقبون اقتصاديون غالبا ما يصبّون ماء باردا على الحماس الذي يكتسح الكتابات عن أوجه الترشيد في الإنفاق، ويقولون لك إن كل ما ذكرتموه وغيره لا يساوي بضعة ملايين في أكثر تطبيقات التقشف جدّية، في حين إن العجز يبلغ مئات الملايين أي أن هذا الباب، باب التوفير الحكومي هو وهم.
مع وجوب أن تخرج الحكومة مرّة والى الأبد من التقديرات الانطباعية الى الدراسة العلمية في هذا المجال، فإن مكافحة مظاهر البذخ مهما كانت القيمة الكلية للتوفير المحتمل تبقى ذات قيمة معنوية مهمّة في عيون الناس، وقد تكون معنوية ومادّية بصورة جدّية، عندما نرى المبنى الجديد للمواصفات والمقاييس الذي قررت الحكومة الآن التخلي عنه وبيعه أو تأجيره، ولعلّ وزير المالية يستطيع أن يشرح للإعلاميين، الذين يفترض أن يلتقيهم قريبا، كم هي مخصصات المباني في موازنة العام 2010 وماذا ستقرر الحكومة بشأنها.
بدأت بالتوفير الحكومي عموما، وفي ذهني لهذا اليوم قضيّة محددة هي الهيئات والمؤسسات المستقلّة التي تكاثرت بلا حساب على مدار العقدين الأخيرين، وحتّى الساعة لا نفهم لماذا يجب أن يكون هناك هيئة لتنظيم قطاع الاتصالات أو النقل ووزارة للاتصالات أو النقل، وكل مؤسسة لها بنية إدارية ومبانٍ ومقرات ونفقات يمكن اختصارها.
كم مجلسا أعلى وهيئة ومجلس إدارة لمؤسسة مستقلّة أو مشروع أو قطاع يوجد في البلد؟ الآن مثلا ننشئ مناطق تنموية في كل مكان، في المفرق وإربد ومعان والبحر الميت وأخرى على الطريق ولكل منها شركة ومجلس إدارة ومقرات ومستلزمات هي بمثابة "عموم مصلحة الزير"؟!.
في زمن سابق وخصوصا داخل مجلس النواب هوجم تكاثر وتفريخ المؤسسات المستقلّة تحت عنوان تفكيك مؤسسات الدولة ولنضع نظرية المؤامرة جانبا وننظر من زاوية الكلفة الإدارية والاقتصادية البحتة، ألا يكفي أن يكون هناك هيئة إدارة واحدة لعموم المناطق التنموية مثلا؟ وهل نحتاج فعلا لكل مجالس الإدارات والأجسام خارج الوزارات.