زاد الاردن الاخباري -
لم يكن يوم 10 آذار/ الجاري يوماً عادياً في الصين والعالم، ففي هذا اليوم، أعيد انتخاب الرئيس الصيني شي جين بينغ، بالإجماع، رئيساً للصين لولاية ثالثة مدتها خمس سنوات. كما تم فيه أيضاً الإعلان عن الاتفاق على استئناف العلاقات السعودية-الإيرانية بعد 7 سنوات من القطيعة، بوساطة صينية، ليُعدّ أول إنجاز للرئيس الصيني بعد أدائه قسم اليمين لولاية ثالثة. ويشير إعلان المصالحة السعودية-الإيرانية، بعد إعادة انتخاب الرئيس شي، إلى تزايد أهمية منطقة الشرق الأوسط في الحسابات الصينية.
لم تكن الصين الدولة الوحيدة التي سعت إلى لعب دور الوسيط بين إيران والسعودية، فقد عقد البلدان عدة جولات من المحادثات بوساطة العراق وسلطنة عمان، ولكن الصين كان لها الدور الأكبر في التوصل إلى الاتفاق بين السعودية وإيران؛ نظراً إلى المكانة والنفوذ اللذين تحتلهما بكين لدى كل من طهران والرياض، وعدم خضوعها للضغوطات والإملاءات الغربية، الميادين نت.
سعت بكين منذ سنوات لتقريب وجهات النظر بين الجانبين السعودي والإيراني. ففي العام 2017، أعلنت الصين قبيل زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى بكين عن استعدادها للتوسط بين الجانبين. ثم عادت وأبدت رغبتها في أداء دور الوسيط بين البلدين في أثناء زيارة ولي عهد السعودية، الأمير محمد بن سلمان، إلى بكين عام 2019.
ولكن، يبدو أن محاولات بكين لم تؤتِ ثمارها، لأن الأجواء التي كانت سائدة حينها لم تكن مهيأة لعقد مباحثات بين الطرفين، ولعلّ أهمها أن الولايات المتحدة الأميركية في عهد الرئيس الأميركي، السابق دونالد ترامب، كانت تدعم السعودية ضد إيران. ولكن، بعد تولي الرئيس جو بايدن سدة الرئاسة، وابتعاده عن الشرق الأوسط، أخذت دول المنطقة تعمل على تنويع علاقاتها الخارجية فتقرّبت من الصين وروسيا، وبدأت تشهد المنطقة تحوّلاً في العلاقات الدولية.
والصين من ناحيتها، كانت مترددة في زيادة انتشارها في منطقة الشرق الأوسط، مكتفية بتعزيز علاقاتها الاقتصادية من دون توسيع حضورها السياسي والأمني فيها، ومع تبدل الأوضاع وزيادة التوتر بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، بدأنا نشهد تحوّلاً في السياسة الصينية تجاه المنطقة، وانخراطها أكثر فيها، ولكن بحذر.
في العام 2022، عادت بكين مجدداً وطرحت وساطتها بين إيران ودول الخليج في أثناء زيارة وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي إلى الصين في مطلع السنة، وعُرضت المبادرة أيضاً على وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان عندما زار الصين مباشرة بعد مغادرة الوفد الخليجي. وعندما زار الرئيس الصيني الرياض في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أثار مبادرة صينية للتوسط بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، ونالت المبادرة موافقة خليجية مؤقتة.
وفي أثناء زيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى بكين الشهر الماضي ناقش الرئيسان المبادرة التي تتكوّن من مرحلتين: تقوم الأولى على عقد لقاء بين وزيري خارجية إيران والسعودية، وفي المرحلة الثانية تتم دعوة بقية دول مجلس التعاون الخليجي لعقد قمة خليجية-إيرانية في الصين. ولوضع هذه المبادرة موضع التنفيذ، استضافت بكين بين 6 و10 آذار/ مارس الجاري مفاوضات إيرانية-سعودية تمخض عنها اتفاق على استئناف العلاقات، ووقع الاتفاق عن الجانب الإيراني رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، وعن الجانب السعودي مساعد بن محمد العيبان، وعن الجانب الصيني كبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي، الدبلوماسي الصيني المخضرم والمحنك، الذي تولى عملية المباحثات بين الجانبين منذ انطلاقها. وستتجلى الخطوة اللاحقة بعقد لقاء بين وزيري خارجية البلدين للتباحث حول وضع الاتفاق موضع التنفيذ، وإعادة فتح سفارتَي البلدين في غضون شهرين.
لم يكن التوصل إلى اتفاق بين إيران والسعودية مفاجئاً في ظل النشاطات المكثفة للصين خلال السنتين الأخيرتين في المنطقة، كما أن تصريحات المسؤولين السعوديين والإيرانيين، خلال الفترة الأخيرة، لا سيما بعد زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية، تشير إلى استعداد الطرفين لعقد المباحثات، فقد قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إن بلاده مستعدة لاستئناف العلاقات مع السعودية، وعقد اجتماع على مستوى وزراء الدفاع والخارجية لدول الجوار، وعبّر عن أمل بلاده بتطبيع العلاقات مع السعودية، بما يشمل إعادة فتح سفارتي البلدين، كما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، إن إيران ترغب في عودة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية؛ لأن هذا الأمر يصب في مصلحة البلدين. وبدوره، قال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، إن إيران جزء من المنطقة، ولا مجال للاستقرار في المنطقة إلا بعلاقة جيدة بين دول الخليج وإيران. ومن جهة أخرى، التقى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، على هامش مؤتمر بغداد 2 الذي عقد أواخر العام الماضي، في الأردن.
ترتبط الصين بعلاقات طيبة ووثيقة مع كل من إيران والسعودية، وساعدت سياستها الخارجية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وعدم الوقوف إلى جانب دولة ضد دولة أخرى، والموازنة في علاقاتها الخارجية، في اكتسابها ثقة واحترام كل من طهران والرياض. فالصين لم تقف إلى جانب إيران ضد السعودية وبالعكس، مع أن تحليلات الصحف الغربية، وحتى الشرقية، كانت قد تحدثت عن تغير سياسة الصين في علاقاتها مع إيران وتقربها من السعودية بعد بيان القمة الصينية-الخليجية، والتي تطرق إلى الجزر المتنازع عليها بين إيران والإمارات العربية المتحدة والسلاح النووي الإيراني.
من مصلحة الصين تخفيف التوتر بين إيران والسعودية. فللصين علاقات اقتصادية وتجارية ضخمة مع كل من الطرفين، ولها استثمارات كبيرة فيهما، وبالتالي فإن توفير الاستقرار من شأنه أن يحافظ على المصالح الصينية في كلا البلدين، وفي المنطقة بشكل عام. كما أن للبلدين دوراً محورياً في مبادرة " الحزام والطريق" التي تنفق الصين عليها مليارات الدولارات، ويعمل الرئيس الصيني جاهداً على تحقيق وإنجاح هذه المبادرة خلال عهده. وتخفيف التوتر سينعكس إيجاباً على دول المنطقة، ويحقق الاستقرار في دول أخرى كاليمن وسوريا ولبنان، والتي لها موقع استراتيجي كبير في مبادرة "الحزام والطريق"، وبالتالي تحقيق الأمن والاستقرار سيسهل عملية تنفيذ هذه المبادرة.
ومن جهة أخرى، الصين هي أكبر مستورد للنفط في العالم، إذ تستورد أكثر من نصف احتياجاتها النفطية من الشرق الأوسط، وتريد بكين أن تضمن استمرار تدفق النفط من المنطقة إليها وحماية الممرات المائية، لا سيما في السنوات القادمة، مع عودة الحياة إلى طبيعتها في الصين، بعد رفع سياسة صفر كوفيد، وخططها المستقبلية لإعادة إنعاش اقتصادها الذي عانى بسبب فيروس كورونا وأزمة العقارات والحرب الروسية-الأوكرانية.
تعمل الصين على ضمان أمن الطاقة وسلاسل الإمدادات كونهما يعدان أولوية لها لحماية مصالحها الاقتصادية وضمان تسريع مبادرة "الحزام والطريق".
وفي إطار آخر، تريد الصين أن ترسل رسالة إلى الولايات المتحدة الأميركية مفادها أنها تريد أن تحقق السلام والاستقرار في العالم، فيما هي تعمل على خلق الحروب والصراعات بين الدول.
ويأتي الإعلان عن المصالحة السعودية-الإيرانية بعد أن عرضت الصين مبادرتها للأمن العالمي في مؤتمر ميونخ للأمن الذي عقد الشهر الماضي، وبعد تقديمها وثيقة من 12 نقطة تستعرض فيها موقفها من النزاع في أوكرانيا. وأيضاً جاءت في وقت تشهد العلاقات الصينية-الأميركية تراجعاً كبيراً، فواشنطن تقوم بخنق بكين وقمعها؛ لأنها تعدّها المنافس الوحيد القادر على تغير النظام الدولي.
يشكل اتفاق إيران والسعودية صفعة للولايات المتحدة الأميركية التي كانت تعمل على تطبيع العلاقات بين السعودية و"إسرائيل"، حتى إن الرئيس الأميركي جو بايدن قال تعقيباً على اتفاق استئناف العلاقات بين طهران والرياض أن العلاقات بين "إسرائيل" وجيرانها في المنطقة هي الأفضل لمنطقة الشرق الأوسط. ويمثل الاتفاق نكسة موجعة للسياسة الخارجية الأميركية التي ظلت تصور إيران أنها مصدر تهديد وخطر لدول المنطقة، وأن "إسرائيل" هي الشريك الإقليمي الموثوق فيه.
ما من شك أن الولايات المتحدة الأميركية حالياً ستعمل جاهدة لوضع العقبات أمام إتمام المصالحة السعودية-الإيرانية؛ لأن ذلك سيضر بمصالحها، ومن ناحية أخرى، تريد أن تقطع الطريق على الصين لزيادة حضورها في المنطقة، لا سيما أن الرئيس جو بايدن قال قبيل مغادرته السعودية التي زارها الصيف الماضي إن "الولايات المتحدة الأميركية لن تبتعد عن الشرق الأوسط وتترك فراغاً تملؤه الصين وروسيا وإيران"، وليس من مصلحة واشنطن نجاح مبادرة "الحزام والطريق" وتوسيع حضور الصين في المنطقة وفي العالم عامة.
تشكل عودة العلاقات بين طهران والرياض خارطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، واستكمالاً لزوال القطب الواحد، وظهور عالم متعدد الأقطاب تدعمه الصين. ومن شأن الاتفاق السعودي-الإيراني-الصيني أن يساهم في بدء مفاوضات صينية-روسية-أوروبية للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في أوكرانيا.
يبدو أن الرئيس الصيني في ولايته الثالثة سيتبع موقفاً أكثر تشدداً تجاه الولايات المتحدة الأميركية، يستدل على ذلك من كلمة ألقاها خلال انعقاد المؤتمر الوطني لنواب الشعب الصيني أشار فيها إلى أن الغرب بقيادة واشنطن يعمل على تطويق الصين وخنقها وقمعها، ما يؤدي إلى تحديات غير مسبوقة لتنمية الصين، والتحذير الذي وجّهه وزير الخارجية الصيني، تشين غانغ، من حدوث مواجهة ونزاع مع الولايات المتحدة الأميركية إذا لم تغيّر نهجها تجاه بكين.
المصدر: الميادين نت