زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - 41 مقعداً للأحزاب فقط في الأردن… من سيحصل عليها؟ كيف سيتم تقاسمها؟
سؤال لا يمكن طبعاً الإجابة عليه بصورة دقيقة الآن، لكن الجميع يطرحه في الأوساط السياسية والحزبية، لأن الحديث هنا عن مقاعد شبه مجانية ولن تكلف من يحصل عليها الكثير من المال، وهي متاحة في برلمان المستقبل الوشيك فقط للهيئات الحزبية، أو بمعنى أدق للأحزاب السياسية الجديدة والقديمة التي تستطيع تجاوز العتبة القانونية من الأصوات بعد الفرز.
من أكثر الجهات التي تسأل عن تلك المقاعد وفي حضن من ستجلس السفارة البريطانية في عمان العاصمة؟ الجهات الرسمية لا جواب لديها على المقاعد المفترضة حتى الآن. قالها أمام “القدس العربي” على هامش مناسبة سياسية اجتماعية الوزير والبرلماني السابق مازن القاضي: الاتجاه للأحزاب السياسية جدي وله دلالات أعمق بكثير مما يعتقد كثيرون.
لكن قالها أيضاً عند ظهوره المتلفز على شاشة فضائية اليرموك الدكتور محمد الحلايقة، وهو يسأل: أين العدالة والإنصاف في تخصيص41 مقعداً دفعة واحدة لأحزاب سياسية يقال إن عدد المسجلين من أعضائها لا يزيد عن 13 ألف عضو؟ سأل الحلايقة أيضاً: حتى لو افترضنا في ظل العزوف الاجتماعي عن العمل الحزبي بأن عدد المسجلين في الهيئة المستقلة المسؤولة قد يصل قبل الانتخابات إلى 30 ألفاً من المواطنين.. هل منح هؤلاء 41 مقعداً مسألة منصفة؟
إجابة منطقية
الإجابة التي فيها قدر من المنطق الوحيدة التي حظيت بها “القدس العربي” على لسان رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات، موسى المعايطة، وهو يستعرض تجارب مغرقة في الممارسة في الدول الديمقراطية العريقة، تقول بوضوح بأن تأثير الأحزاب مرتبط أفقياً ببرامجها والمجتمع، بمعنى أن الأحزاب تقدم برامجها للناخبين، ومن يصوت لها الجمهور وليس أعضاؤها فقط.
تبدو مقاربة منطقية، لكن ما يهتم به كادر السفارة البريطانية حصراً هو معرفة أي من المسارب والاتجاهات التي ستحظى بالحصة الأوفر ضمن رزمة الـ 41 مقعداً التي أصبحت لغزاً يحير الأردنيين، رغم أن عدد المقاعد يقل قليلاً عن ثلث أعضاء المجلس المفترض.
ما لا يقوله البريطانيون بشكل صريح هو أنهم يحاولون فهم التوزيعة التي ستحصل لتلك الحصة من مقاعد الأحزاب في الوجبة الأولى كمعيار للوجبة الثالثة بعد 9 سنوات، حيث مقاعد البرلمان بالكامل للأحزاب. والحديث هنا إشارة أو غمزة لثلاثة مكونات أساسية في السياق الاجتماعي والسياسي أيضاً، الأمر الذي تهتم به السفارات الغربية بطبيعة الحال، حيث ثلاثية تمثيل المكون الفلسطيني والمخيماتي ومقاعد الثقل العشائري ثم الإخوان المسلمين ومن تبعهم.
اللافت في سياق النقاش هنا أن الحديث عن هذا التنميط الثلاثي لمكونات السلطة التشريعية في الأردن سابق لبرنامج تحديث المنظومة أيضاً، وقد لا يصلح للقياس عليه؛ فالثقل العشائري مثلاً قد يزحف بقوة عبر مقاعد الأحزاب، وتلك المقاعد متاحة تماماً منذ اليوم في حضن أصوات المخيمات إذا استطاع حزب ما إقناعها وجذبها.
والأخ المسلم وغيره، بما في ذلك خصمه الحزبي، لديهم مقاعد متاحة للتنافس؛ بمعنى أن كل السيناريوهات والاحتمالات واردة، فقد يمثل حزب الإخوان المسلمين في قائمة الأحزاب أحد أبناء العشائر، وقد يمثل مسيحي في حزب مقنع أبناء المخيمات.
قيمة فكرة مقاعد الأحزاب الأساسية أنها عابرة للهويات الفرعية والمناطقية، وأن التحالفات من أجل الحصول على تلك المقاعد تخلط كل المكونات وتجهز على التعبيرات التي تنتمي للماضي، وتضع الجميع بعضهم مع بعض في منطقة حزمة مقاعد واحدة. تلك على الأرجح جزء من الألغاز التي يلمح لها مخضرم مثل القاضي في الإشارة إلى إحدى مؤشرات العبقرية، فالخلط المقصود يعني عزل كتلة وازنة من المقاعد تقترب من ثلثها في المجلس المقبل عن سياقات التمثيل الكلاسيكية القديمة ووضعها في ثوب حزبي فقط يقلص من حضور التعبير الجهوي والمناطقي والعشائري والمكوناتي.
وتلك قفزة مطلوبة، لكن يلفت الحلايقة النظر مجدداً إلى أن ضمانات المصداقية والنزاهة هي الضرورية، لأن تلك القيم النبيلة المقصودة بالعملية التحديثية تحتاج دوماً إلى حاضنة اجتماعية تباركها وتؤمن بها، وإلى ضمانات نزاهة تستقطب الناس جميعاً حتى تذوب الهويات الفرعية في إطار الدمج الوطني المطلوب.
عملياً، عزل نحو ثلث أو أقل بقليل من مقاعد البرلمان المقبل في التعبير الحزبي البرامجي هو خطوة تحديثية مهمة وبامتياز بصرف النظر عن كل الشكوك التي تحيط بمسألة الضمانات، فمن سيحظى بتلك المقاعد بصرف النظر عن هويته الحزبية سيكون امتنانه الأساسي للحزب، والحزب الذي سيحصل على مقاعد أكثر يفترض أن لديه برنامجاً أقنع عبره الناخبين بصرف النظر عن هوياتهم السياسية والمكوناتية.
طبعاً هذه واحدة من مفاصل جوهر عملية التحديث، لكن ذلك لا ينفي حصول تنافس مبكر اليوم، وجموح ملموس في الرغبة في فهم المساحات التي ستذهب إليها في النهاية حزمة مقاعد الأحزاب شبه المجانية.
شيطان التفاصيل
المنطق يقول واقعياً بوجود حزب واحد في الساحة قادر على الفوز بحصة لا يستهان بها من تلك المقاعد إذا أجريت انتخابات نزيهة حقاً، وهو حزب جبهة العمل الإسلامي بالتأكيد. وعليه، يمكن مسبقاً بناء الفرضية التي تقول بأن حزب الجبهة الإسلامي بالضرورة واحد من خمسة أحزاب أساسية هي الأكبر، ستتقاسم رزمة المقاعد الحزبية.
وفي أفضل أصناف الحسابات، يمكن التحدث مبكراً عما بين ثلاثة إلى سبعة أحزاب من القديمة والجديد ستضع في جيوبها تلك المقاعد، أما حجم وعدد المقاعد لكل حزب فهما مرتبطان بمناخ النزاهة أولاً، وبقدرات الأحزاب الجديدة على منافسة الإسلاميين أو التفوق عليهم ثانياً.
الرهان الواضح في الحسابات المبكرة جداً والقابلة للتغير لاحقاً يشير إلى أن خمسة أحزاب، ما لم تحصل مفاجآت، ستضع في جيبها الحصة الأكبر من الـ 41 مقعداً وبمعدل يتراوح من بين 6- 10 مقاعد لكل منها. وليس سراً أن الحديث هنا عن حزب جبهة العمل الإسلامي، ثم حزب الميثاق، ولاحقاً حزب إرادة، ثم حزبي الاجتماعي الديمقراطي والائتلاف الوطني، على أن تبقى حصص مقاعد أقل لحزبين آخرين أو ثلاثة. طبعاً، تلك مجرد تكهنات مبكرة، لكن الشهية للحصول على تلك المقاعد مفتوحة عند الإسلاميين وغيرهم، وهي جوهر التنافس الآن، ومن ثم جوهر المنظومة.
«القدس العربي»