سلامة الدرعاوي - نجحت الحكومة نجاحاً مبهراً في زيادة تحصيناتها الضريبية من خلال حزمة الإصلاح الحقيقية التي تمت على هذا البند ابتداء من عام 2019، والتي تم فيها البدء بتنفيذ قانون جديد للضريبة، استلمته إدارة رشيدة في التعامل معه باتجاهين متوازيين هما:
أولاً: مكافحة التهرب الضريبي والذي استطاعت به الدائرة إغلاق غالبية منافذ التهرب الضريبي التي كانت سائدة في العقود الماضية وبأشكالها المختلفة.
ثانياً: توسيع قاعدة الشمول الضريبي وإدخال قطاعات واسعة تحت المظلة الضريبية، من خلال معالجات قانونية وإدارية لمسألة التجنب الضريبي من جهة، وشمول جهات جديدة في الضريبة كانت في السابق خارج دائرة التحصيل الضريبي لأسباب مختلفة.
الإصلاح الضريبي الذي تحقق في الأعوام الثلاثة الماضية كانت سبباً رئيسياً في إنقاذ الخزينة من كابوس مالي كاد يتحقق خاصة في ظل أزمة كورونا وتوقف عجلة الاقتصاد الوطني لأشهر، ولأول مرة زادت الإيرادات الضريبية على المقدر في الموازنة، وكانت هذه الزيادات تتجاوز الـ250 مليون دينار في العامين الماضيين كل على حدة، ويبقى السؤال هل الإصلاح الضريبي والذي يمثل إصلاحاً في الإيرادات قابله إصلاح وضبط في النفقات العام بشكل متواز؟.
في الحقيقة أنه ونتيجة لظروف مختلفة مثل كورونا وتداعيات الأزمات الإقليمية والدولية، وبعض السلوكيات الرسمية والإجراءات الفاشلة لم تولِ الحكومة موضوع تخفيض النفقات ووقف الهدر الاهتمام الكافي، فالقرارات المطلوب اتخاذها هي قرارات مالية صعبة بحاجة إلى توافق وطني حولها وشرحها للمواطن بشفافية تامة.
وللأسف غياب الإرادة القوية والجرأة في اتخاذ القرارات كان سبباً رئيسياً في زيادة النفقات العامة بشكل كبير امتص كل فوائد الإصلاح الضريبي التي تحققت.
فمن يصدق ان بند المعالجات الطبية وصل إلى حوالي أكثر من 400 مليون دينار سنوياً بينما يتم تخصيص ربع هذا المبلغ في الموازنة كل عام.
ومن يصدق ان الخزينة لغاية يومنا هذا مستمرة في دعم السلع بدلاً من دعم المستحقين وذلك بالرغم من أن الحكومة تبنت مبدأ دعم المستحق ولكن حتى يومنا هذا ما يزال معظم الدعم يذهب إلى السلعة.
ولا ننسى الدعم المقدم من الحكومة إلى المؤسسات والهيئات المستقلة، التي بالأساس أنشئت لتكون مستقلة في موازناتها ولا تحمل الخزينة المركزية أي أعباء مالية، لكن للأسف، فقد استقلت مالياً من حيث الإيرادات، واعتمدت على الخزينة من حيث النفقات بسبب تنامي عجزها.
حتى قضايا الهدر في بعض بنود الموازنة وخاصة في مشتريات الدواء والعطاءات ما تزال تشكل عبئاً ثقيلاً على الإدارة المالية في الخزينة، نتيجة عدم وضع آليات ضابطة في هذا القطاع الذي يشكل أحد أبرز أشكال الهدر المالي .
إلا أن أبرز شكل في تجاوز النفقات هو عدم التزام الوزارات والمؤسسات بتنفيذ قانون الموازنة بالشكل الذي أقر فيه، فهناك تجاوز إنفاق من قبل بعض المؤسسات عن المخصصات الواردة في قانون الموازنة والذي يؤدي إلى مستحقات غير مدفوعة، أي التزامات إضافية على المالية العامة تتوجب معالجتها تباعاً، وهذا التجاوز في الإنفاق على المخصصات المرصودة هو مخالفة دستورية وقانونية أيضاً ولا يجوز الاستمرار فيها، كما أن الزيادة في الإنفاق على المخصصات المرصودة يتطلب إصدار ملحق موازنة، وسبب هذه الظاهرة يعود إلى أمرين، الأول: رصد مخصصات لبعض البنود أقل من الحاجة الفعلية، والأمر الثاني: ضعف أو غياب الإدارة المالية في بعض مؤسسات الدولة الفاعلة.
على ضوء الواقع المالي الراهن للموازنة والتحديات التي تحيط بالاقتصاد الوطني فإن الحكومة مطالبة بمعالجة هذه التشوهات السابقة في الإنفاق، وصولاً إلى تحقيق وقف الهدر وإيصال الدعم إلى مستحقيه فقط، وتحسين إدارة المال العام ووقف تجاوزات الإنفاق المرصود في الموازنة، لأن ذلك حتماً سيحقق فائضاً مالياً كبيراً يمكن تخصيص جزء منه لتغطية بدل الدعم للعاملين والمتقاعدين في الجهازين المدني والعسكري، ويتم تخصيص الجزء الآخر لتخفيض عجز الموازنة.