أُعلن اليوم بإنضمام فنلندا إلى حلف الناتو كأسرع عملية إنضمام في تاريخ الحلف منذ تأسسيه عام 1949 لتصبح فنلندا الدولة رقم 31 في الحلف, وهذا الإنضمام ما هو إلا تصعيد خطير من قبل الغرب حسب ما تنظر له روسيا وذلك بتجيش الجاره المتاخمة حدودياً لروسيا عسكرياً ,حيث نعمت فنلندا بحسب الجوار مع روسيا لفترة دامت قرن من الزمان.
فقد قال وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو اليوم أن هذا الإنضمام سيزيد من مخاطر نشوب صراع نتيجة تحرك الحلف العسكري لزيادة الإستعدادات القتالية في فنلندا, أما الغرب وعلى لسان حلف الناتو قال عن هذا الإنضمام بأنه غير موجه ضد أحد .
تبلغ مساحة فنلندا 338 ألف كيلو متر مربع وبتعداد سكان 5.5 مليون نسمة عام 2021 وبناتج محلي إجمالي قرابة 300 مليار دولار, لذا تُعتبر دولة غنية مقارنة بعدد سكانها .
إن أوروبا لم تستفق بعد من صدمة الحرب الروسية- الأوكرانية وما أدت إليه من الإطاحة بإقتصادها ومُعاناة شعوبها , فخطوة كهذه بالتسريع بإنضمام فنلندا في هذا الوقت بالذات قد يشعل جبهة حرب أوروبية أُخرى في الشمال , حيث تشترك فنلندا مع روسيا بحدود برية تبلغ 1300 كلم, مما يؤدي إلى إستباحة هذه الحدود لحلف الناتو بحُجة الدفاع عن الأراضي الفنلندية وحمايتها من خلال تعزيز الناتو لقواته العسكرية وتحشيدها على طول الجبهة الفنلندية ونشر الصواريخ الموجهة تجاه روسيا وإنشاء قواعد عسكرية جديدة داخل الأراضي الفنلندية, كل ذلك سيكون له تكلفة مالية للسنوات القادمة , تُدفع فاتورتها من الإقتصاد الفنلندي على مدار عقد من الزمان قد تصل بين بيع سلاح وتدريب وثمن الحماية 500 مليار دولار حتى عام 2033, وزيادة التوترات أيضاً مع الجارة الروسية حيث أن إجراءات الحلف قد تؤدي إلى إختراقات للأجواء الروسية بأي لحظة , إضافة إلى محاصرة المنفذ البحري الوحيد لروسيا لجهة الغرب من خلال مدينة سانت بطرسبرغ ,بمنفذ بحري على طول الحدود المشتركة مع فنلندا من الشمال ومن الجنوب مع حلف الناتو عن طريق إستونيا مما يعني السيطرة على ملاحة هذه القناة التي تربط روسيا ومنفذها الوحيد البحري الغربي مع أوروبا على بحر البلطيق الذي ينفذ على المحيط الأطلسي , وهذا قد يُصعّد ويُزيد من التوترات بين روسيا وحلف الناتو بأي لحظة.
إن البُعد الإستراتيجي العسكري لعملية الضم السريعة هذه في هذا الوقت هي لتخفيف الضغط عن الجبهة الأوكرانية من خلال الضغط على روسيا بإجبارها على تعزيز جبهتها مع فنلندا ,كون الغرب يُخطط لإطالة الحرب الروسية- الأوكرانية وإستنزاف القدرات العسكرية الروسية, أما البُعد الإقتصادي هو زيادة مبيعات السلاح من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية لفنلندا للعقد القادم وتكايف الحماية والتدريب وإنشاء القواعد العسكرية سيؤدي إلى زيادة أرباح الشركات العسكرية الغربية لتصُب في صالح إقتصادات دولها, إضافة إلى خلق عداء بين روسيا وفنلندا قد يؤدي إلى إيقاف المبادلات التجارية بيت البلدين وأهمها النفط الغاز الروسي, لتحل محلها المُبادلات التجارية الأمريكية والأوروبية.
في الختام زادت بؤر الصراع في العالم , فبعد الهدوء الذي حصل في منطقة الشرق الأوسط ونزع فتيل الحرب فيها نتيجة المُقاربة السعودية الإيرانية , أصبحت بؤر النزاع العالمية ثلاثة بؤر هي : الأوكرانية ,التايوانية والفنلندية. والسؤال المطروح الآن إلى أين يتجه العالم ,وهل علينا أن نبحث عن مُبادرات سلام جديدة لنزع فتيل حرب أخرى قد تحدث نحن في الغنى عنها؟
الخبير الإستراتيجي في مجال السياسة والإقتصاد والتكنولوجيا
م.مهند عباس حدادين
mhaddadin@jobkins.com