حسن محمد الزبن - في المجلس النيابي التاسع عشر، بذلت جهودا في تطوير عمل وأداء المجلس لتتواءم مع المناخ السياسي، باتجاه لتحديث المجلس والنظام الداخلي استجابة للتحديث السياسي في المنظومة السياسية والإدارية والاقتصادية، التي انطلقت لنهضة الدولة، وباشر المجلس النيابي بجهد حثيث خطواته لهيكلة الوظائف والمناصب الإدارية، فتم ترشيق المديريات والأقسام بالدمج واستحداث ما هو جدير بأن يستحدث ليكون بالعموم خدمة للمجالس النيابية المتعاقبة في عمر الدولة الأردنية.
لكن أتساءل أين هي الديمقراطية التي نسعى لتجذيرها وتطويرها ونحرص للحفاظ عليها بأبهى صورها في ظل ما أقدم عليه مجلس النواب الحالي بتخصيص منصب المساعد الثالث لرئيس مجلس النواب ليكون محصورا بترشح المرأة له تحديد؟!
وهل هذا التخصيص يخرج عن صور التعيين غير المباشر وأراه يُمارس في دائرة الفعل الانتخابي بما يمنح أحقية الترشح الحر من قبل المرأة وحقها بالتصويت من زملائها النواب رجالا ونساء في المجلس على حد سواء، لكن ألا يجد المجلس أن هذا الإجراء لا يخدم الإصلاحات والتشريعات، وأن هذا انتقاص من مكانة المرأة وإقرار بعدم قدرتها للوصول إلى هذا الموقع؟
فلماذا نعرض ديمقراطيتنا التي نسعى للحفاظ على سمعتها والتباهي بها لمجرد أننا نريد الانتصار للمرأة بقرار يحسم أمر وصولها إلى هذا الموقع، لنثبت فقط أننا مع حقوق المرأة وتعزيز مشاركتها بالعمل السياسي؟
لما لا نترك المرأة تنافس الرجل على قدم وساق، وتثبت أحقيتها بأي موقع من خلال التشريعات الناظمة والقوانين والأطر الدستورية وأنها قادرة على أن تصل إلى هذا الموقع أو ذاك، بجهدها دون أن نمنحها ما يشبه الكوتا تماما لموقع ما، بل أن نترك المجال للاجتهاد والسعي فقد يكون بمقدورها أن تكون يوم ما رئيس لمجلس النواب إذا كانت مؤهلة لذلك، ومتى توفرت الحيادية الذكورية الغالبة على تشكيلة المجالس النيابية عموما منذ أول مجلس تشريعي أردني.
لا أعتقد أن هذا الإجراء بالمطلق هو في خدمة تمكين المرأة ودعمها بقدر ما يشكل تشويها للعمل الديمقراطي، وأعتقد أن التشريعات والقوانين الأخيرة التي تم تعديلها كانت مساحة واسعة منها ضامنة لمشاركة المرأة فيما يخدم تمثيلها في المجلس النيابي وغيره من المؤسسات في الدولة، وكان هذا واضحا في قانون الانتخاب وقانون الأحزاب اللذين تم إقرارهما والمصادقة عليهما أخيرا وتم نشرهما في الجريدة الرسمية.
وإذا كانت الإرادة السياسية دعت إلى دعم ومساندة المرأة وإنصافها وتعزيز دورها في المجتمع، فما حدث من إجراء وتعديل في أن تكون المساعد الثالث لرئيس مجلس النواب ليس هذا تحديدا ما قصدته الإرادة السياسية، وليس بهذا المفهوم، ولا بهذا النهج والأسلوب، وما جرى بخصوصه من تعديل لا يمثل العمل الديمقراطي ولا يخدم مسيرة التحديث السياسي؟ وإن كنا جميعا نتطلع أن تكون المرأة في مواقع متقدمة في الدولة.
كان الأجدى أن نسلط الضوء على النائب المرأة، وأن نعمل على تعزيز مشاركتها في البرلمانات العربية، وتعزيز تمثيلها في الندوات والمؤتمرات الخارجية، وصيغ التعاون البرلماني العربي والدولي، التي يمكن من خلالها أن تثبت المرأة الأردنية جدارتها في المهام الموكلة إليها، وبمرور الأيام نجدها تستحوذ على التقدير والاهتمام ببروزها كقيادية بين زملائها النواب فيصار لدعم ترشحها لمناصب متقدمة من الأغلبية الذكورية، دون الانصياع للتكتلات التي تسعى إلى إقصائها من دائرة صنع القرار.
وأسأل أيضا إذا كانت الديمقراطية التي نسعى لها تعني الشفافية المطلقة في العمل البرلماني والمجلس يعتبر أقرب المؤسسات الديمقراطية والمفترض أن بكون أكثر انحيازا نحو الشفافية والنزاهة والعدالة واحترام الرأي والرأي الآخر، إذن ما معنى أن تناقش التعديلات من قبل اللجنة القانونية بعيدا عن النواب وعن الإعلام النافذة الحرة لعين الشعب، وتتم إحالة الأمر على استعجال خلافا للقانون في النظام الداخلي لمجلس النواب من المادة (67) والتي جاء فيها:
أ- لا يوضع مشروع أي قانون قيد البحث والمذاكرة في المجلس ما لم تكن نسخة عن المشروع والأسباب الموجبة لوضعه قد وزعت على كل عضو قبل ثلاثة أيام على الأقل من البدء بالمذاكرة فيه.
ب- إذا كانت هناك أسباب اضطرارية تستدعي النظر فيه بصفة الاستعجال فيجب على الرئيس أن يضع ذلك الأمر في الرأي، فإذا أقرته الأكثرية يقرأ المشروع علنا ويناقش أو يحال إلى اللجنة المختصة بتلك الصفة.
إلا أن ما حصل برأي أحد النواب أنه تمت إحالة المقترح إلى المجلس قبل يومين من الجلسة وهذا من وجهة نظره ليس بالوقت الكافي لقراءة المقترحات والآراء والملاحظات الخاصة بأعضاء المجلس النيابي فيما يخص دراسة المقترح من قبل اللجنة القانونية قبل تداوله في الجلسة.
بناء على ما تم تداوله نقول إن النظام الداخلي ليس موضوعا هامشيا، بل له من الأهمية في التطبيق لمجالس نيابية ستتعاقب على الدولة الأردنية ويعتبر من أساسيات العمل النيابي الأردني، ولهذا كان المفروض الحرص أن لا يتغيب عن حضور جلسة إقرار النظام الداخلي أي نائب لما للموضوع من أهمية، فمن كان خارج البلاد فيسقط عنه اللوم في عدم الحضوروخلاف ذلك يقع عليه اللوم.
وأخيرا مهما كان رأينا فالأمر مضى وتم التعديل على النظام الداخلي ومدونة السلوك النيابية، وكان خلاصته في حالة استقالة رئيس المجلس والنائب، فالرئيس تعتبر استقالته نافذة من تاريخ إيداعها للأمانة العامة، والنائب تعتبر نافذة من تاريخ تقديمها للرئيس، وبموجب التعديلات فإنه إذا لم تفز أي امرأة من سيدات المجلس بموقعي الرئيس أو نائبيه، فإن أحد مقاعد مساعدي رئيس المجلس يكون مخصصا للترشح للمرأة فقط، كما أصبحت لجان المجلس الدائمة (20) لجنة بعد أن كان عددها (15) لجنة، واللجان الخمس التي تميت إضافتها هي: الشباب والرياضة والثقافة، والبيئة والمناخ، والسياحة والآثار، الاقتصاد الرقمي والريادة، والريف والبادية، وتم تغيير مسميات عدد من اللجان منها الصحة والبيئة لتصبح الصحة والغذاء.
كما يتم الحسم المالي عن النائب المتغيب دون عذر عن الجلسة، كما تم وضع تعديل جديد بموجبه يتم وضع عقوبات على النائب الذي تزيد مدة غيابه عن ثماني جلسات متتالية أو خمسة عشر متفرقات.
وتم تضمين النظام الداخلي، بإقرار الهيكل التنظيمي للأمانة العامة للمجلس وتحديد كادرها الوظيفي على أن يتم مراجعته وتقييمه، ولا يعتمد أي تغيير على الهيكل الإداري إلا من خلال لجنة تشكل لهذه الغاية من قبل المكتب الدائم.
كذلك أقر المجلس مدونة السلوك النيابية، وبموجبها يلتزم النائب بتقديم إشهار الذمة المالية المعتمد وإدامته، ويتجنب تضارب المصالح، وعدم إشهار الصفة النيابية دون مبرر يستدعي ذلك، وعدم استعمال ألفاظ تنطوي على تهديد أو إهانة أو استفزاز أو شتم لأي شخص، وعدم استخدام كلام مبتذل أو استخدام لغة متحيزة أو متعصبة وتجنب الإساءة الشخصية لأي كان، وعدم التصويت عن عضو آخر سواء كان هذا العضو حاضرا أم غائبا، وسواء كان التصويت بأي طريقة كانت، وعدم التدخل في التصويت أو ما من شأنه العبث بسرية الاقتراع بأي شكل، وعدم إعلان نتائج التصويت أو أي أمر تم في جلسات سرية، وعدم إعلان مقاطعة أعمال المجلس بوجه عام، وعدم استخدام لغة عدائية متطرفة في الخطاب، وعدم الاحتجاج داخل المجلس بطريقة عنيفة أو أحداث شغب، وعدم التهديد الجسدي أو اللفظي لأي كان، وعدم استعمال الهاتف أو تناول الأطعمة أو التدخين أثناء الجلسات والاجتماعات.
ووفق المدونة يلتزم النائب بإعلان المصالح التي يعرفها أو يحس بها في جميع الأوقات، وحظر إساءة استغلال المنصب النيابي للحصول على منفعة أو مصلحة شخصية له أو لغيره، وتجنب تضارب المصالح عند مناقشة القوانين أو استخدام أي من الأدوات البرلمانية.
كما تنص المدونة على أن يحترم النائب رسالة الإعلام والإعلاميين باعتباره رديفا رقابيا لمجلس النواب ومصدر هاما للمعلومات حول القضايا التي تشغل المجتمع وتستحق المتابعة، وعلى النائب تجنب كل ما يسيء لمصالح الدولة العليا ومبادئها وقيمها وعقائدها أو الخوض في مسائل منظورة أمام القضاء أو ما يتعلق بأسرار القوات المسلحة والأجهزة الأمنية.
ووفق المدونة تقوم علاقة النائب بالوزير على الاحترام المتبادل فيما بينهم في الجوانب الشخصية، ويقوم النائب بدوره الرقابي بالطرق والوسائل التي رسمها الدستور والقانون، ولا يجوز للعضو التدخل في المسائل القضائية أو دوائر الجمارك وضريبة الدخل أو مراجعة الوزراء وجميع الدوائر الحكومية بصفته النيابية إلا بناء على ترتيب مسبق.
وتنص المدونة كذلك على أن علاقة العضو مع كتلته أو الحزب الذي هو منتسب إليه تقوم على الالتزام التام بالمبادئ التي قررتها التشريعات والأنظمة والمواثيق الحزبية التي تنظم هذه العلاقة
.
حمى الله الأردن.