فايز شبيكات الدعجه - تربطني برجل مجهول علاقة صداقه منذ ثلاثة عقود ونيف .بيد اني لا اعرف عنه شيئا سوى اسمه واسم ابيه. لا يكاد ينقطع التواصل بيننا منذ ذلك الزمن البعيد. لقاء شبه يومي او اسبوعي في اسوأ الاحوال..او اتصال هاتفي او لايك وتعليق على منشور او تحية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ...علاقة متعمقة الى ابعد الحدود وسفر متكرر ،ومع كل هذا وذاك فأنا اجهله تماما.
لست وحدي،. ثمة اثنين معي من الاصدقاء الاقدم منه في علاقة الصداقه.. تعرفنا عليه معا بمحض الصدفه ،وشكلنا رباعي صداقه سعيده على مدي العقود الثلاثة لا زالت سارية المفعول لغايه اعداد هذا النص ...شخصية مطابقه تماما لشخصياتنا نحن الثلاثة وتتوافق مع طبيعة مسارنا الذي اخترناه للاستمتاع المباح في الحياه.
لكنه والحق يقال اكثرنا كرما ودماثة واوسعنا علما ووعيا وثقافة. اضافة الى تلك الاناقة البالغة وذوقة الرفيع .رجل مواقف ، شجاع وذو مرؤة لا توصف..مرح. يفرحنا ،يداعبنا، يضحكنا ولا يضحك ابدا .يسرد قصص وحكايا ويكررها في كل لقاء وكأننا نسمعها لاول مره فنستغرق بمتعة وكأنه يقصها علينا لاول مره. اسلوب شيق واندماج عفوي سريع يأسر حواسنا ويغمرنا بشعور جميل..عذوبة التحدث وحسن الالقاء . وهو الى الى ذلك حكيم .نستشيره في صعب الامور ونجد عنده النصيحة الصافية والرأي السديد.
يمكننا اعتبارة عرابنا .قائد لنا ،او ان شئتم رئيس ، قيادة تكونت تلقائيا ولا ندري كيف اقتحم هذا المجهول مجمعوعتنا المغلقة واصبح بالنسبة لنا الاب الروحي مع اننا جميعنا متساوون في المكونات الشخصية وبذات السن وعلى ذات الدرجه من الميول والامزجه، ومن المعرفة والنضج على حد سواء .
تولى المجهول قيادتنا طواعية على مدى السنوات الطويله دون مرسوم منا او قرار ، ونحن الى ذلك لسنا من النوع السهل وثلاثتنا على درجة واحدة من الاستقلالية والانفراد..بالامس حدث شيء رغم كل احتياطات الرجل المحكمة وتكتمه الشديد .
قد يقول قائل ان هذا ضرب من السذاجة وينطوي على قدر من البلاهة . لكني اعيد التأكيد على اننا تفحصناة تفحصا جيدا ودرسنا حركاته ورصدنا تصرفاته منذ البداية ،،ولطالما اخضعناها للدراسة والتحليل والتمحيص ، فلم يزدنا ذلك الا احتراما له واصرارا في الحرص على تمتين اواصر الصداقة معه .
لا نعلم مجهولنا من اين يأتينا واين يقيم .ولا نعرف شيئا عن اوضاعة العائلية والاجتماعية. ان كان متزوج او اعزب. اولاده. اخوانه. اسم عائلته ،بلدة الاصلي .او ماذا يعمل حتى ..كل ما كنا نعرفة اننا اصدقائه الوحيدون وهو يحبنا ويقدرنا وسعيد بوجودنا في حياته، ولعلنا مصدر سعادته الاول وشريانها الرئيس .
لكن كنا لا نعلم شيئا عنه كما اسلفت منذ ان كنا فتية، ولم تعد هذه المسألة تهمنا ولا هي مصدر قلق او انزعاج واصبحت مع الايام لا تبعث على الريبة والشك ، ثابث الخلق والسلوك ويعمل بوجه واحد .بل على العكس تماما لقد اصبح غموضة جميلا ويضفي عليه الكثير من المهابة والوقار .ويبعث فينا الطمأنينة بذات الوقت.رجل وادع ومسالم. وينفرد بكثير من الصفات التي تثير اعجابنا، منها على سبيل المثال انه مريح ،لا ينفعل ولا يشكو او يتذمر. يكره النميمه ولا يستغيب. ولديه صفة هامشية اخرى تدهشنا. يتلذذ بالطعام . نراة يملأ ربع الملعقة في كل مره او يقتطع ما لا يتجاوز حجم اصبع الابهام من الخبز او الفاكهة على سبيل المثال .واكثر من ذلك انه يتأني اثناء ممارسة الاكل وله طقوسه الخاصة في التعامل مع اللقمة .يستغرق في ذلك ويطيل الوقت ،نأكل معه ونشبع ثم نجوع ونعاود مشاركته الطعام بمتعة وسرور .
فاتني القول اننا في السنة الخامسة اجرينا ثلاثتنا دون ان يدري تقييما ومراجعة شاملة لمجمل علاقتنا بالصديق . بحثنا غموضه وتوصلنا الى نتيجه واحده، انه رجل آمن خلا من شوائب الصداقة .وقررنا حينها بالاجماع الاستمرار ورفع مستوى العلاقة من الدرجه الدنيا الى المتوسطة ثم اجرينا تقييما ثانيا وثالثا كل خمسة سنوات واستقر الحال على رفع مستوى العلاقة الى الدرجه العليا.
أما كيف حدث هذا النوع من الصداقة فالحكاية بسيطة ،فلقد سرد لنا المجهول حكاية شيقة في لقائـنا الاول ،ذكر في حيثياتها انه يكره تلقي الاسئلة الشخصية ويمقت اساليب حب الفضول والاستعلام الشخصي وانه صارم وبالغ الحساسية في هذا الجانب على وجه التحديد .. وتمكن الرجل من ابلاغنا رسالته بوضوح،، ومع اعجابنا بشخصيتة فقد تقبلنا ذلك بارتياح من حيث انه شديد التمسك بخصوصيته ولا يجيب عن اي استفسار ذاتي خاص ، وبهذا عطلنا منذ البداية خاصية الاستعلام ، وسد بدوره ابواب الاستزاده واي محاولة من جانبنا من شأنها تخطى معرفتنا اسمه واسم ابيه .ولا ندري كيف تمكن الرجل منا وكيف اقنعنا بالاكتفاء باقل من الحد الادنى المطلوب لتشكيل مثل هذا النمط من الصداقات الاصيلة المعتقة.