سلامة الدرعاوي- في الوقت الذي تُشيد به مؤسسات دولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين بالإجراءات والتدابير الرقابية التي اتخذها البنك المركزي وبأداء القطاع المصرفي الأردني الذي يتمتع بمستويات عالية من رأس المال مكنته من القدرة على الصمود وتحمل الصدمات الخارجية بكل اقتدار وفاعلية، تتواصل حملات منظمة داخلية وخارجية على صفحات التواصل الاجتماعي لتشويه صورة البنوك ودورها في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والطعن بمنجزاتها، ووصفها بأنها “بعبع اقتصادي”.
حملات التشويه ضد الجهاز المصرفي التي قادتها مجموعات مختلفة من الباحثين عن الشعبويات والهادفين إلى “تبخيس” كل ما هو مميز وداعم للاقتصاد بهدف رئيسي وهو إحداث قلاقل في الاقتصاد، رغم أن كل المؤسسات الدولية والعالمية ترى في النموذج المصرفي الأردني وأداء البنك المركزي الرقابي الحيوي نموذجا في فعالية تعزيز السياسة النقدية والحفاظ على دينار قوي، آخرها تقرير صندوق النقد والبنك الدوليين في اجتماعات الربيع السنوية الأخيرة في واشنطن، والتي أصدرا خلالها تقييماً عالمياً عن الاستقرار المالي في الأردن، والذي أكدا فيه على قوة الجهاز المصرفي وتميزه وقدرته في التعاطي مع الصدمات والتميز والفاعلية الرقابية النموذجية للبنك المركزي الأردني التي مكنت البنوك من هذا التميز في الأداء على مستوى المنطقة.
إنجازات البنوك باتت علماً مميزاً في الاقتصاد الوطني، بحيث أصبحت استراتيجية، وتشكل عصب الاستقرار. فمساهمة البنوك تتجاوز الـ6.8 % من الناتج المحلي الإجمالي، وينمو القطاع بشكل مستدام، وحقق العام الماضي ما يقارب الـ 4.4 % بالأسعار الثابتة. وموجوداتها تشكل 192 % من الناتج المحلي الإجمالي، وودائعها 126 % من الناتج المحلي، وتسهيلاتها الإجمالية 98 % من الناتج.
النسب السابقة توضح أن البنوك هي عصب الاقتصاد، ولا يوجد اقتصاد مستقر أو فعال، أو ينمو دون وجود بنوك قوية.
ولذلك، تشويه دورها هو طعن مقصود لزعزعة الاقتصاد بإثارة حملات التشويه ضده، خاصة ما يثار الآن حول دور البنوك في المسؤولية الاجتماعية التي يحاول البعض تقليل دورها فيها، علماً بأنها هي أكبر قطاع داعم للمسؤولية الاجتماعية وبمعدل يناهز الـ30 مليون دينار سنوياً، وهو ما يعادل ما بين 5 % إلى 6 % من إجمالي أرباح البنوك، وهي أعلى نسبة بين كل القطاعات.
أما نغمة تأجيل الأقساط التي انساق وراءها الكثير ممن يتقصدون ذلك بعلم أو غير علم، وتلاعبوا بمشاعر وعواطف واحتياجات الأردنيين المعيشية في هذا الوقت تحديداً، فلم يكلف أحدا نفسه بالإجابة على من هي الجهة التي تحملت أعباء زيادة المدد الزمنية والكلف المالية لقرارات التأجيل العشر السابقة التي تمت في ظل جائحة كورونا، وبعدها في مرحلة التعافي.
طبعاً، جيوب المواطن هي من تحملت هذه الكلف التي وصلت لمستويات مقلقة بسبب تزايدها جراء التأجيل. فلا أحد يتحدث عن هذه التداعيات المالية الخطيرة، بل يروج البعض موضوع التأجيل وكأنه أعطيه أو منحة من البنوك أو الحكومة للمواطنين، ويتناسون أنه مزيد من الفوائد وسنوات السداد.
أقولها بصراحة، البنوك هي عصب الحياة الاقتصادية للأردن. فالاقتصاد يستحمل إغلاق عشرات محلات الملابس والمصانع ومؤسسات الإعلام، وشركات الخدمات، والمطاعم، لكنه لا يستحمل أبداً ضرراً وبأي شكل يقع على أصغر بنك عامل. حينها ستكون هناك مشكلة حقيقية في الاقتصاد لا سمح الله. فلينتبه الأردنيون ويحذروا من مثل هذه الحملات التي باتت مكشوفة.