انطلاقاً من الحرص على الالتزام بالنصائح الحكومية.. واستناداً إلى مدونة السلوك الإعلامي.. وتكريساً لميثاق الشرف الحكومي.. واقتداء بعدم تعكير صفو العلاقات مع الزعماء العرب.. والتزاماً بتحرّي الرقابة الذاتية.. وانصياعاً لرغبات الذعر التي يفيض بها قلمي.. واستجابة لمطالب الكثيرين من غير الخيرين العارفين بمداخل ومخارج الحكومات.. واعترافاً مني بعدم مقدرتي على مجاراة ذلك الغباء المستفحل في تبنّي المعارضة والنقد والسخرية.. هذه بداية الخير للارتقاء في فن الانحناء من أجل الامتطاء بكل كبرياء..
هذه مقتطفات من مقالة رئيس تحرير جريدة الغد التي طرزها كجدارية تستحق أن تدرّس في كيفية العمل الصحفي المهني.. أضعها هنا لتدلل على حجم الانسجام في لغتنا وتصرفاتنا..
(( يومها وقفت على الغضب النبيل للملك الذي كان متأثرا لأن صحافيا يسجن في مملكته لأنه عبّر عن فكرة، أو أساء تقدير موقف، أو تهجم، أو انتقد، أو اتهم، أو أرغى، أو أزبد ..لا يليق ببلدنا أن يَسجن ناشطا لأنه قدم رؤيته الصادمة والمعاكسة لأشواق المجتمع، أو لأنه شكك في قدرات الأجهزة الأمنية، أو خدش كرامة الجيش أو أساء إلى تاريخه، على الرغم من أن من يرتكب هذه الأفعال يضع نفسه على الطرف النقيض من آمال شعبه ووجدان مواطني بلده. ورغم ذلك لا يتعين أن نهدد، بعد أن زججنا بالتل ومحادين في السجن، بقطع لسانيهما، لأننا، إذ نفكر في فعل ذلك، ننحدر إلى مزالق تهدد منجزنا الإنساني، ومسيرتنا المتسامحة التي قاد ركبَها الهاشميون في الأردن والذين لم يعرف عنهم أنهم أعدموا سياسيا، حتى لو كان انقلابيا، بل إن بعض هؤلاء الانقلابيين أضحوا وزراء ومسؤولين يقطر الوعيد والتهديد من أفواههم الملأى بالرغاء.
وبي حاجة ماسة للتذكير بعبارة فولتير، أحد أبرز مفكري عصر التنوير الأوروبي: "قد أختلف معـك بالرأي، ولكنني أدفع حياتي ثمناً لحقك في التعـبير عـن رأيك"، فهذه العبارة كثفت رؤى الإصلاح التي نقلت أوروبا من كهوف الظلام إلى عصور الأنوار والمدنية.ليقدم محادين والتل إلى المحاكمة، وليأخذ القضاء العادل النزيه مجراه، وليكن الفيصل قبة قصر العدل الذي شعاره المساواة والنزاهة. أما أن نقص ألسن المختلفين ونهدد بسمل عيونهم، فذلك ما لا نسمح به، ولسوف نبقى ندافع عن قيم حرية الرأي والتعبير التي سقفها السماء، حتى نكون جديرين بالإصلاح الذي وعدنا به جلالة الملك، عميد البيت الذي ضم تحت جناحيه المعارضة والموالاة، وحلق بهما في فضاء العزة والتسامح )).
صديقي موسى برهومة: أحييك على هذا النفس الطيب في الذود عن حرية الرأي والتعبير بالرغم من عدم تأييدك له كما أوضحت أنت في مقالك..
يعجبني الشخص المنسجم مع ذاته وقلمه وفكره عندما يكتب ما يتناغم مع ممارساته وتصرفاته.. لكن وقبل أن أختم هو سؤال واحد: ماذا عن سعيك لقصّ لساني وكسر قلمي من قبلك وذلك التأييد المجاني لقضية خاسرة أقامها الزغيلات بليلٍ بهيم مخجل ومعيب بحق كل إعلامي مهني محترف ونزيه..
فقط أرجوك أن تكتب ما يستحق أن نرفع قبعاتنا احتراما له شريطة أن تتأكد أنك لا تمارس نقيضه ودمتم.