تتسابق كثير من الدول لمواكبة المراتب التي وصلت إليها الأمم المتقدمة في مجال تكنولوجيا المعلومات وذلك من خلال سعيها الى رقمنة عديد من القطاعات مدفوعة بحتميات الولوج الى هذا الفضاء الرقمي خاصة في ظل إرتباط المجتمعات وإعتمادها على بعضها، بحيث لا يمكن الحديث في عصرنا هذا عن ما يسمى بالعزلة السياسية او الإقتصادية او حتى الثقافية وهو الحصن الذي سقط تحت ضغوط العولمة، ولعل من بين أهم القطاعات التي كانت من الأولويات أن تتبني هذا المشروع هو قطاع التعليم العالي والبحث العلمي وهو الأمر الذي غفلت عنه الدولة الأردنية بغير باقي الدول بحيث تخوض الوزارات المعنية تحديات هذا التحول الرقمي وما يصاحبه من مظاهر تستدعي التأمل والمعالجة.
وبالنظر الى ما وصلت إليه الدول المتقدمة في مجال إقحام تكنولوجيات المعلومات والإتصال في التعليم عامة والتعليم العالي خاصة وما حققته من قفزات ومكاسب يصبح إدماج هذه التكنولوجيات في نظم التعليم العالي لدينا من المتطلبات الأساسية من أجل تحسين وتجويد هذا القطاع الإستراتيجي ويصبح هدفا وغاية يلقى على عاتق جميع الشركاء تحقيقه بل يصبح عقيدة يجب على الأسرة الجامعية الإيمان بها والإجتهاد لخدمتها.
إن الدعوة الى ضرورة الوعي بأهمية هذا المشروع تنبع من حجم الصدمة التي يمكن ان تصاحب الإنتقال من التعليم التقليدي الى التعليم الرقمي، هذه الصدمة تترجمها حالات ضعف التكوين في المجال الرقمي لدى الفاعلين في الحياة الجامعية والذي يستدعي التكفل والمرافقة الجيدة لتخطي هذه المصاعب. والمتأمل لواقع الجامعة المتحولة نحو الرقمنة يجد بأن التنافسية اليوم تتمظهر في مدى قدرة منتسبيها على التحكم في هذه التكنولوجيات مما يسمح بإنتاج الطبقية داخل هذه الجامعة وهي أرستقراطية رقمية إن سمح لنا بتبني هذا المصطلح.
إن هذا الدمج الذي يعول عليه كثيرا في تحسين جودة البحث العلمي اذا كان إستعماله ملائما وعقلانيا قد أظهر التأثير الإيجابي للتكنولوجيا من خلال تطوير المناهج العلمية و مهارات تنمية المعرفة و كيفية إستعمالها بحيث أصبحت ادوات التكنولوجيا وسيلة و منبعا للمعرفة. كما وفرت مجالا محفزا للأساتذة و الباحثين للتفاعل ومواكبة التطور العلمي. من جهة أخرى، ساعدت التكنولوجيا الطلبة على تجويد التعلم من خلال انفتاحهم على المعلوماتية وما توفره من فرص في التعلم والتقويم الذاتي بحيث أظهرت بعض الدراسات ان الإستعمال العقلاني لبعض أدوات التكنولوجيا يساعد على تفاعل الطلاب مع الأساتذة و مع بعضهم البعض من خلال توفير مجال لتبادل المعرفة والخبرات العلمية التي قد تساعدهم على الإندماج في عالم الشغل مستقبلا.
كما أن تحدي العقلانية في إستخدام التكنولوجيا يضع الأسرة العلمية أمام مجموعة من القضايا غير المسبوقة. ومن بينها إفراط الإعتماد على التكنولوجيا من طرف المستعملين، مما يؤدي الى ضعف الإنتاج اللغوي و الكتابي نظرا لما توفره التكنولوجيا من تطبيقات تساعد على فحص قواعد اللغة، بالإضافة إلى تحول الإهتمام من توظيف هذه التكنولوجيا في البحث والتحصيل العلمي الى إستخدامات ترفيهية يطغى فيها تضييع الوقت.
ومما قد يزيد من تعقيد الوضع تجاوز الإستعمال و التعاطي مع التكنولوجيا حدود المعقول الى أشكال جديدة من الإدمان و بالأخص ما تعلق منها بشبكات التواصل الإجتماعي، هذه الممارسات و الأنماط السلوكية التي تفتح المجال أمام تفشي بعض الاضطرابات النفسية والإجتماعية كالإعتداءات والإنحلال الأخلاقي وتؤدي إلى الهيمنة التامة للتكنولوجيا في غياب العقلانية و الترشيد، مما أفرز إنحرافات كبيرة تمس الأمانة العلمية للمنتوج الفكري فأصبحت هاجسا كبيرا للأسرة العلمية في الكثير من الجامعات بحيث تورط الكثير من الطلبة و الباحثين في الإخلال بمصداقية البحث العلمي.
يجب التأكيد على أن حديثنا على إدماج تكنولوجيا المعلومات والإتصال في التعليم العالي لا يستثني الجانب البيداغوجي و التعليمي فهو يقع عليه ما يقع على الجانب البحثي بحيث ينتج عديد من الظواهر في كلا الجانبين وهو ما حاولت كثير من الدراسات والمؤتمرات إستشعاره من طرح إشكاليات تتناول قضايا التعليم العالي والبحث العلمي وتكنولوجيا المعلومات والإتصال وهو الأمر الذي نسعى الى التوقف عنده بالدراسة من خلال الدراسات المكثفة التي نأمل ان تكون إضافة ومحاولة جادة لدعم جهود ومحاولات الآخرين في فهم ومعاجلة هذه الظاهرة من خلال طرح الإنشغالات التالية:
– كيف تتفاعل الجامعة مع إدماج تكنولوجيات المعلومات والإتصال؟
– ماهي المظاهر المصاحبة للإنتقال من التعليم التقليدي الى التعليم الرقمي؟
– كيف يمكن الإستفادة من تجارب الدول الرائدة في مجال تطبيق التكنولوجيات الحديثة في التعليم العالي؟
– ما هي آفاق إدماج تكنولوجيات المعلومات في مجال التعليم العالي والبحث العلمي؟
- تشخيص الواقع الحالي للبيئة التعليمية والبحثية والإدارية في الجامعات الأردنية ومدى جودة تطبيقها للرقمنة .
- كيفية الخروج بإستراتيجية لرقمنة متكاملة لمؤسسات التعليم العالي في الأردن .
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات العربية الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي