حضورٌ تأجل عدة مرات خلال الأعوام الثلاثة الماضية نتيجة رفض بعض الدول العربية. اليوم وبدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده محمد بن سلمان، وصل الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد إلى السعودية لحضور القمة العربية بعد غياب إستمر لاثني عشر عاماً، رغم إعتراض قطر التي فضلت عدم الوقوف في وجه الإجماع العربي على إعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية لحكومة دمشق.
بالعودة إلى عام 2010 تاريخ آخر قمة حضرها الأسد في مدينة سرت الليببة، يبدو المشهد وكأنه ينتمي لعصر آخر، آنذاك كان الزعيم الليبي معمر القذافي يرأس القمة بحضور رؤساء أطيح بهم بعد ذلك في خضم ما عرف بثورات الربيع العربي، بعضهم مات كالرئيس المصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي والجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وبعضهم قتل كالليبي معمر القذافي واليمني علي عبد الله صالح، فيما يرزح الرئيس السوداني عمر البشير في السجن.
وحده الرئيس السوري بشار الأسد الذي شهدت بلاده أعتى حرب أهلية في القرن الحالي أعقبت ثورة إدعت السلمية إختبأ خلفها ما يعرف بالجيش الحر بدعم من تركيا وإسرائيل، لا يزال في سدة الحكم، بعد أن تجاوز الأسوأ بحلول عام 2015، حين فقدت قواته السيطرة على غالبية أنحاء البلاد لصالح معارضيه وتنظيمات أصولية كما أشرنا مدعومة من تركيا وإسرائيل وبعض الدول العربية الموالية لها وفي مقدمتها تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية، وجبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة.
أتاح تدخل روسيا آنذاك، والذي سبقه دعم إيراني مباشر، إستعادة السيطرة على الكثير من أنحاء البلاد بهزيمة تنظيم الدولة في مارس/ آذار عام 2019، ومحاصرة المعارضة في مناطق محدودة في محافظتي إدلب وريف حلب، ووضع غير محسوم في مناطق شرقي نهر الفرات، الذي ظل عملياً تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية بدعم أمريكي، مع وجود لقوات الجيش السوري والقوات الروسية في بعض المدن والمناطق الحدودية.
وسبقت دعوة الرئيس الأسد للقمة إجتماعات متعددة بين الحكومة السورية وبعض الدول العربية التي مهدت الطريق لحضور القمة، وربما كان أهمها الإجتماع الذي عقد في العاصمة الأردنية عمان قبل بضعة أسابيع بحضور وزراء خارجية السعودية والأردن ومصر والعراق وسوريا، والذي تم التوافق فيه على ضرورة "إنهاء الأزمة السورية عبر حل سياسي يحفظ وحدة سوريا وتماسكها وسيادتها"، وعلى أنه "بداية للقاءات ستتابع لإجراء محادثات تستهدف الوصول إلى حل الأزمة السورية، ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254، ويعالج جميع تبعات الأزمة الإنسانية والسياسية والأمنية"، بحسب ما جاء في نص البيان الرسمي الذي تلا الإجتماع.
وبحسب مصادر مقربة من الحكومة السورية، لعبت السعودية بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان الجهد الأبرز لإقناع المترددين من الدول العربية بقبول دعوة الرئيس الأسد للقمة العربية، وتوجت قبل شهر بزيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان لدمشق.
وشهدت العلاقات بين سوريا وبعض الدول العربية إنفتاحاً ملحوظاً خلال الأعوام القليلة الماضية، كما في حالة الإمارات العربية المتحدة والأردن ومصر وتونس، علماً أن بعض الدول لم تقطع علاقتها بدمشق وحافظت على خطوط تواصل علنية وسرية كما في حالة العراق ولبنان والجزائر وعُمان.
وبالتزامن مع الإنفتاح العربي على دمشق، شهدت العلاقات السورية التركية تقدماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية برعاية روسية وإيرانية، وهو ما يتوقع أن يسفر عن تفاهمات تعيد سيطرة الجيش السوري على مناطق المعارضة في أقصى الشمال الغربي.
ورغم ازدياد المؤشرات التي توحي بقرب إنتهاء الكارثة السورية التي أودت بحياة مئات آلاف القتلى والجرحى، وشردت الملايين داخلياً وخارجياً، إلا أن الملفات العالقة بتعقيداتها الداخلية والإقليمية والدولية لا تزال بحاجة إلى الكثير من الجهد والوقت لترتيب مخارج لها، لكن تحت سقف الرئيس بشار الأسد .
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات العربية الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي