مشهد عودة سورية إلى الجامعة العربية وحضور الرئيس السوري لقمة جدة قبل أيام اعتبره البعض مراسم دفن للربيع العربي الذي انطلق من تونس التي تعيش مسارا سياسيا يحاول إخراج الإسلاميين هناك من المشهد، وربما إذا اكتمل ذلك المسار كما يريد أصحابه فإن أول "الربيع" سيكون آخر مشاهده تقريبا.
لكن تلك المرحلة لم تمر مرورا عابرا على دول عديدة فليبيا مثلا التي شهدت أحداثا انتهت بقتل القذافي ما زالت لم تصل إلى بر الأمان ولم يصل الليبيون حتى إلى امتلاك حكومة واحدة أو برلمان واحد أو جيش واحد، فالتقاسم وهو شبيه التقسيم كان أهم لمسات الربيع الذي ربما لولا تدخل حلف الناتو عسكريا وطائراته التي طاردت القذافي حتى قبض عليه الثوار، لولا أميركا ربما كانت ليبيا ملفا مفتوحا إلى اليوم.
الجزء الصادق في تلك الفترة هو شكوى الناس في عالم العرب ومحاولتهم الخروج من واقع سيئ اقتصاديا وسياسيا، لكن السياسة وعالم الدول والتنظيمات كان من قاد الطريق وخاصة الإخوان المسلمين، التنظيم الشعبي المفضل عند حزب الديمقراطيين الأميركي زمن أوباما، وكان الإخوان حتى قبل انطلاق الربيع على وصال وتواصل مع الديمقراطيين وجهات أوروبية، فالغرب يدرك أن الإخوان الأقوى في الشارع، والإخوان في مصر كانوا مستعدين لدفع أي ثمن من أجل السلطة لهذا قبلوا شروط أميركا حول تحكيم الشريعة، ومعاهدة السلام مع إسرائيل وملف الأقليات والمرأة، قبلوا واتفقوا. وعندما خرج المصريون بصدقهم ليعبروا عن شكواهم كان المشهد الخلفي يحمل صفقة حملت الإخوان إلى حكم مصر، وتحول إلى حلم بحكم تونس وسورية وليبيا والأردن وشركاء في اليمن، وكانت أيدي بعض التنظيمات التي أوطانها تحت الاحتلال حاضرة فحلم قيادة الإقليم الذي كان حلما لدول ذات سطوة على الإخوان فيه كان هو جوهر ما كان.
حلم تسليم دول لتكون ولايات نفوذ لدول غير عربية في الإقليم كان هو جوهر حركة الإخوان داخل الربيع، أما وجع الشعوب وشكواها فتلاشت من أجندة من قطفوا مكاسب الربيع، ولهذا وحتى بعدما بدأ المسار العسكري وحتى اليوم لم يرى الناس إلا لجوءا وهجرة وجوعا ودمارا ليس سهلا تجاوزه.
مؤكد أن مرحلة ما يسمى بالربيع العربي تمضي سريعا إلى الاختفاء وإن كانت آثارها ستبقى عقودا طويلة، وتركت أيضا قناعات لدى الناس إحباطا مركبا، كما اكتشف الناس أن كل ما جرى لم يأخذ حياتهم إلى الأمام خطوة على صعيد الاقتصاد والمعيشة والبطالة بل تعمقت مشكلات وتحولت إلى كوارث، وحتى التنظيم الأقوى شعبيا قبل الربيع فقد خسر ساحات كان له فيها حضور، وكشف عن حقيقة أن الاعتدال السياسي الذي يتحدث عنه يمكن أن يختفي مع أي فرصة للوصول إلى الحكم، وأن القبول بالصفقات مع أميركا ليس افتراء بل أصبح جزءا من التاريخ السياسي للمنطقة حتى وإن كان ثمنه القضايا الكبرى من تحكيم الشريعة وتمرير العلاقة مع إسرائيل.
دفن الربيع يمكن أن يكون واقعا لكن هذا لن يغلق الباب أمام مراحل مشابهة لها أدوات مختلفة.