بقلم الدكتور المحامي إبراهيم النوافلة - ليس الأمر محددا بالجغرافيا، انما هو بما تسكنه تلك الجغرافيا في النفس والوجدان. فعلى بقعة من الأرض بنى الأردنيون وطنا يعشقهم ويعشقونه، هو رمز حياتهم وزوادة أفراحهم وملاذهم من غفلة الخوف ومكائد الصدور. تغنوا به قصيدة من رذاذ الدمع، هو قصة حب لا تهرم، تجمع بين خبايا مجده وعناوين سحره، وصفوة العاشقين من أهله.
وطن تعمّدنا بطهره، واحتسيناه عطرا، وحسبناه الفردوس في دنيا الفناء. نلوذ كل صباح بذرات ترابه لتمدنا بمداد الحكمة، ولتونع فينا لغة جديدة، ندفع بها كيد العابثين ببكارة صمته وعذريّة اسمه. وطن ينهض ضوء فجره ويتثاءب لإشراقة شمس صباحه، كي يكتمل جمال تكوينه، وتطغى على الكون أصالة كينونته.
ننسج خصالك يا وطني في رذاذ المطر، رغم خميرة النار التي تختبئ في عالم موبوء بالأشرار، فقد جئناك وانت المتيم بالزهو والمستبد بالعشق، جئناك بآمالنا وهمهمات الأحلام المستجيرة، جئناك مواكب غيث، لنضيء على ترابك فرحنا، فنحن الذين ولدنا من ذراتك شمسا قبل الفجر، فاشرع الروح يا وطني لحب مأهول بك، فأنت الذي يلهم دود أرضك قصائد الرأس.
فجرك يفشي اسرار العتمة، فالعتمة توقظ حواسنا وضوء فجرك يعمي العتمة، والكتابة لك في عيد استقلالك يا وطني، ينبوع بوح مقدّس، هي بوصلة قراءة الذات، وهي انذار للعاطلين عن الأمل، الذين وإن تململوا سيدفنون الأمنيات الخائبات.
وحتى يبقى العاشق على قيد القصيدة، ولكي يبقى حبك أغلى من عطاياك السخيّة، وأنت الذي نهرب اليك من صحونا، ونركن اليك في غيضنا، كتبنا لك ونثرنا الحرف في مسام الريح، فللحب مذاق سكون الليل قبل انعتاق شمس الصباح. ومنارتك محفوفة بالدفء، ووجهك اللازوردي فجر بتول، منقوشا بالحناء، مغموسا بماء الورد والزعفران، وحبك نار تتلظى، فكل عام وانت بخير يا وطني.