زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - إسقاط طائرة صغيرة مسيرة مجدداً عبرت من الاتجاه السوري نحو الأردن للمرة الثانية بعد ظهر الثلاثاء الماضي، يعني الكثير من الدلالات السياسية والأمنية حيث تتطور معطيات قواعد الاشتباك الأردنية بالتوازي مع معطيات تطور تقنيات محاولات تهريب المخدرات. وكان حرس الحدود الأردني أسقط حتى الآن طائرتين مسيرتين، الأولى قبل عدة أسابيع والأخرى منتصف الأسبوع الحالي.
وتلك إشارة واضحة الملامح إلى أن من يصفهم الأردن رسمياً بتجار الموت ليسوا منظمين جداً فقط بخصوص تهريب المخدرات إلى المملكة، ولكن لديهم تقنيات مستحدثة وإمكانات لإرسال طائرات مسيرة صغيرة تحمل أغلى وأنفس أصناف المخدرات، لا بل أشدها فتكاً، مثل الكريستال.
المسألة قد لا تقف عند هذه الحدود، والأكثر خطورة تلك الرسالة السياسية التي يقول فيها تجار المخدرات السورية إنهم “مصرون” على الاستمرار في محاولات التسلل ببضاعتهم ومنتجاتهم بالرغم من إحباط عشرات المحاولات، والأهم بالرغم من تزايد كيمياء التفاعل بين الأردن والنظام السوري من جهة، والأردن وأطراف عراقية وإيرانية من جهة أخرى، وعدت بأن تلعب دوراً في ترتيبات أمنية الطابع تحد من مخاطر المخدرات ومحاولات تهريبها.
في جلسة غير مخصصة للنشر حضرتها “القدس العربي”، قال وزير الخارجية أيمن الصفدي، الشهر الماضي، إن الجانب السوري على علم بأولوية الأردن المطلقة، وهي حماية حدوده مع جنوب سوريا.
طلب الأردن رسمياً من أصدقاء في موسكو وبغداد التدخل في الجنوب السوري لمواجهة مخاطر تهريب المخدرات، وقيل في أروقة القرار الأردني إن وعوداً أطلقت من العاصمتين بأن يتدخل الحرس الثوري الإيراني في هذه المساحة الغامضة، الأمر الذي يشكل قناعة لدى أوساط القرار الأردني غير معلنة أصلاً بأن العصابات التي تحترف تهريب المخدرات والتسلل إما أن تكون مدعومة أو مسكوتاً عنها من قبل الحرس الثوري الإيراني أو المسلحين الموالين لـ”حزب الله” اللبناني. تلك قناعة تحاول عمان عدم التطرق لها، وتراهن على موقف إيجابي من الحرس الإيراني بعد الليونة التي حصلت دبلوماسياً مؤخراً على صعيد العلاقة الأردنية الإيرانية.
لكن في المقابل، الإعلان عن مسيرة جديدة أسقطت وضبط فيها نحو نصف كيلوغرام من مادة الكريستال، وهي الأغلى سعراً بالمخدرات في العالم وتوصف بأنها فتاكة، يؤشر سياسياً إلى أن وساطة بعض أركان النظام السوري والأطراف الروسية وقيادات شيعية عراقية لم تفلح بعد في ضبط الإيقاع، الأمر الذي يتحول إلى لغز سياسي ودبلوماسي وأمني للأردنيين؛ لأن حجم العناد والإصرار غريب للغاية.
ومقابل هذا العناد، من المبكر القول إن الجهود الاستثنائية التي تبذلها فرق مكافحة المخدرات في التصدي للحاضنة المحلية واضحة النهايات والملامح، فالجهات السورية التي تصر على إرسال أخطر أنواع المخدرات دوماً ودائماً وتنفق مالاً كثيراً في السياق، لا بد من وجود وكيل محلي لا ترغب سلطات الحكومة الأردنية بالتحدث عنه كثيراً.
بين المرسل الواضح اليوم للمخدرات والمرسل إليه الغامض شبكة إقليمية الطابع على الأغلب. ورغم كل البيانات والجهود الفنية التي تتصدى وتصدت لمشروع إغراق الأردن بالمخدرات، ثمة تساؤلات بإجابات عالقة، من بينها وأبرزها موقف بقايا الدولة العميقة في النظام السوري الحقيقي على الأرض وفي الميدان، حيث إن أوساط عمان على علم مسبق بأن منطقة الجنوب السوري خارج نفوذ مركز القرار في دمشق، لكن بعض الانطباعات متشكلة بأن سلطات المركز تماطل أحياناً أو لا تقوم بالالتزام المطلوب منها بالمسألة.
ورغم طراوة التعبيرات التي تصل عبر أوساط عراقية من مسؤولين إيرانيين ما زال إرسال المخدرات وضخها يتواصل وبمختلف الطرق الخبيثة، وفيما سمع رئيس مجلس النواب الأردني أحمد الصفدي من شخصيات عراقية شيعية بارزة كما أبلغ “القدس العربي” كلاماً طيباً ومتزناً حول الحرص على الأمن الداخلي الأردني، لا تبرز معطيات تشير أو تؤشر إلى أن الوساطة العراقي منتجة.
وترفض السلطات الأردنية من حيث المبدأ وفي الشكل والمضمون تسييس ملف المخدرات، لكن الأبعاد السياسية تحيط بكل تفاصيل هذا الملف في المحصلة، مما يؤسس لقواعد غموض تنطوي على كثير من الاعتبارات ولمساحة أوسع من الألغاز التي تحيط بالتفاصيل، لا بل تجعل الموضوع مثيراً وغريباً في آن معاً. وتكتم السلطات الأردنية انطباعاتها السياسية لغرض قد يكون الحرص على الجانب الجنائي والإرهابي في المسألة، لكن لا تفسير بعد لمسارات الإصرار والعناد؛ فلا يخلو أسبوع من اشتباك ما على نقاط التماس الحدودي.
وفي الوقت الذي يرفض فيه حرس الحدود مدعوماً بالقوة الأخلاقية أي مرونة تجاه محاولات تهريب المخدرات، يظهر الطرف الآخر النشط ميلاً غريباً على الاستمرار في المحاولة وتكرارها رغم كلفة ملايين الدولارات وكلفة الدم أيضاً، لأن المستوى السيادي الأردني قالها علناً وبوضوح لمن وصفتهم بيانات عسكرية بتجار الموت.. “لن تمروا”.
«القدس العربي»