خارطة النفوذ الإيراني في الإقليم كانت تأخذ طابعا عسكريا عبر الحرس الثوري وميليشيات صنعها تحت عباءة ولاية الفقيه أو من خلال استخدامه للقضية الفلسطينية، وقدمت أميركا خدمات جليلة لإيران في العراق بعد احتلاله حين قدمت العراق لحلفاء واتباع إيران وهم ذاتهم من دخلوا العراق بحماية الجيش الأميركي وتم بناء حضورهم الأولي السياسي من خلال المندوب السامي الأميركي بريمر وأكملت إيران المشوار، ثم جاءت الازمة السورية التي لم تضيعها إيران في بناء مشروع ثقافي طائفي أمني عسكري واقتصادي على الأرض السورية وما قدمت من أرواح كانوا من حزب الله اللبناني وميليشيات قادمة من آسيا، وكانت اليمن التي ما تزال ازمة مع بعض الهدوء بانتظار الصفقة الكبرى مع محاولات للدخول على ساحات أخرى.
النفوذ الإيراني ليس خيالا بل هو مصدر فخر وفوقية تحدث بها قادة من فيلق القدس بانهم يحكمون أربع عواصم عربية، ورغم كل التهديدات الإيرانية لإسرائيل العدو النظري إلا أن إيران تمارس صمتا تجاه الضربات القوية والمستمرة من إسرائيل على مواقع إيرانية مهمة في سورية فضلا عن اغتيال خبراء وقادة إيران في سورية، لكن إيران ردت على الضرب الإسرائيلي بتوقيع لبناني بشرعية إيرانية عبر حزب الله بتوقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل وهو اتفاق سياسي رفيع المستوى.
في هذه المرحلة تدخل إيران سياقا تراه يرسم خارطة نفوذ من نوع آخر من خلال إعادة بناء علاقاتها مع دول عربية مهمة، فالسعودية ولاعتبارات تخص إستراتيجيتها العامة في تنفيذ رؤيتها الاقتصادية والتنموية وتجفيف الأزمات وبناء معادلات علاقات جديدة في الإقليم ومع دول العالم الكبرى وقعت اتفاقا أعاد علاقاتها الدبلوماسية مع إيران وربما يكون الاتفاق بوابة لتفكيك أزمات أخرى لكن بعقلية إيران فكل خطوة يريدون ثمنها.
وعلى الجبهة المصرية هنالك وساطة عُمانية من سلطان عُمان مع إيران ومصر وربما تكون هناك خطوات لكن هنالك ملفات عالقة تحتاج إلى تفكيك وخاصة من وجهة نظر مصر التي كانت محل استهداف إيراني منذ بداية حكم الخميني وإطلاق اسم قاتل السادات على أحد شوارع طهران كجزء من أدوات التحرش والابتزاز، وإيران التي ترى في العلاقات السياسية القوية وفتح أسواق عربية لمنتجاتها في السعودية ومصر وتبريد الأجواء مع دول مهمة إضافة إلى هيمنتها في دول أخرى، إيران ترى في هذا خارطة نفوذ تختلط فيها السياسة بالاقتصاد بالميليشيات.
وإذا ما تحقق ما نقرأ من تسريبات عن مفاوضات بين إيران والولايات المتحدة لتوقيع اتفاق نووي جديد تحصل بموجبه إيران على إفراج عن مليارات الدولارات المحتجزة في الغرب فإن إيران ترسم لنفسها خارطة نفوذ جديدة ذات طابع سياسي اقتصادي تضاف إلى خارطة النفوذ التي رسمتها عبر الميليشيات والحرس الثوري بغض النظر عن أهداف النوايا الإيجابية من دول الإقليم.
اما نحن في الأردن فالمعادلة الأردنية واضحة في الرغبة بعلاقات إيجابية مع إيران لكن الأردن له تجربة أمنية طويلة مع إيران التي لم تترك وسيلة لاختراق الأردن الا سلكتها بما فيها ميليشيات المخدرات والمسيرات التي تحمل أسلحة ومخدرات وحتى ما يصدر عن اتباع إيران في العراق ضد الأردن، فتحسن العلاقات مرتبط بتوقف الاستهداف للأردن.