هذه ليست حرية رأي، ولا حرية تعبير، وهي ان كانت حرية رأي او حرية تعبير بالمعيار الغربي، فهي ليست حرية رأي أو حرية تعبير بالمعيار الإسلامي، حين يكون عدد المسلمين قرابة ملياري شخص، يعيشون في كل دول العالم، ويمثلون أمة لها سماتها المشتركة بحد ذاتهم لاعتبارات كثيرة، وان تبانيت سماتهم الاجتماعية احيانا، أو سماتهم الوطنية أو قضايا دولهم.
حرق المصحف الشريف في السويد، ليس أول حادثة، إذ تكررت حوادث كثيرة من هذا النوع، مثلما قارف رسامون جرائم بالاساءة إلى مقام النبي صلى الله عليه وسلم، وأيا كانت جنسية الفاعل في كل حادثة، أو أسباب اقدامه على هكذا جرائم، فهي تعبر عن كراهية يتم تركها لتكبر وتنمو بين شعوب العالم، حين تمس المقدس الديني، بوسائل كثيرة ومتعددة ومختلفة.
في كل الاحوال القرآن محفوظ في صدور الناس وقلوبهم، وليس في نسخة ورقية، مثلما ان مقام النبي صلى الله عليه وسلم، محفوظ ايضا في افئدة الناس، دون ان يعني ذلك عدم خطورة ما يرتكبه امثال هؤلاء من إثارة للمشاعر، وردود الفعل التي ستسأل لاحقا بكل غباء لماذا تتنزل ردود فعل متطرفة من جانب اهل الشرق، عموما، في بعض الحالات، ضد دول ومواطنيها.
اذا كانت قواعد الحياة في السويد تسمح لأحد بحرق القرآن الكريم، فإن غباء حكومة السويد ومؤسساتها يكمن في تناسيها لوجود جاليات إسلامية، قد تقوم بردود فعل مختلفة تتجاوز التعبيرات القانونية، وتهدد الأمن بمعناه الحساس، وعلى هذا لا تعرف كيف تسمح السويد أو أي دولة ثانية بهكذا ممارسات تعبر أصلا عن غباء أمني في إدارة الأمور في هذه الدول.
لن تجد مسلما في الأردن أو فلسطين أو سورية أو الجزائر أو مصر أو الهند أو السنغال يقوم بحرق نسخة من الانجيل في الشارع أو أمام كنيسة، ليس لضعف فيهم، انما ادراكا منهم للقيم العليا في دينهم، التي تمنع هكذا تصرفات، والاستدلال على سلوك بعض المسلمين بجرائم ارتكبها الآلاف من المتطرفين من أصل ملياري مسلم، للقول اننا أمة من المجرمين والقتلة والمتطرفين الذين يفعلون كل شيء، استدلال يتعمد التعميم، وعدم الفهم، وتجاوز الفروقات في الرؤى والتفسيرات والتأويلات للنصوص، مع تناسي أن الاغلبية الكبرى من كل المسلمين، لا يفعلون هذه الأفعال أصلا، بل يحرم عليهم قطع شجرة، وقتل إنسان.
أحد التعليقات التي لم تعجبني قال صاحبها الفصيح موجها كلامه للمسلمين انه بدلا من غضبكم المؤقت على السويد، راجعوا تصرفاتكم، وصححوا حياتكم وانتم تتنكرون لقيم القرآن والنبي يوميا حتى بتصرفاتكم الاجتماعية والحياتية، حتى تقدموا الدليل الفعلي انكم تختلفون عن اللاجئ العراقي الذي حرق القرآن في السويد، أمام وسائل الإعلام ويعتزم تكرار فعلته مجددا.
وكلام المعلق هنا، مجرد موعظة رخيصة في توقيت غير مناسب، لان أحدا من المسلمين لم يقل ان اخلاقنا مكتملة وممارساتنا لا تعلوها الاخطاء، وتصحيح السلوكيات أمر مختلف تماما، عن التجاوز على القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم، لان المخطئ من المسلمين في تصرفاته يدرك انه مخطئ، ولا يدعي ان سلوكياته واخلاقياته اليومية، قرآنية او نبوية، هذا ان فوق كل امم الدنيا ليست ملائكية، وفيها اخطاء وجرائم، وتطرف، ومخالفات، من انواع مختلفة.
نحن نفهم الاسلام كما هو، دين الاعتدال، والتسامح، وحب الآخرين، واحترام خصوصياتهم، ولا نفهمه ابدا وسيلة لمعاداة الآخرين، أو الحض على الكراهية والاقتتال، ولا بد ان يفهم الغرب جيدا الفرق بين سلوك الفرد المتطرف، وطريقه فهمه للإسلام، لاننا نلاحظ أيضا أن هناك محاولات دائمة لتشويه سمعة المسلمين، واثارة العداوات في كل مكان ضدهم تحت حجج وذرائع مختلفة، وكـأن المقصود ان يبقوا في حالة ذعر، ودفاع عن النفس، والسمعة، والوجود.
إذا كان البعض في الغرب لا يفهم خصوصية الدين للمسلمين، فعليهم على الاقل ان يفهموا خطورة هذه التصرفات عليهم امنياً وسياسياً، بكل ما تعنيه الكلمة من حيث ردود الفعل، لان لا أحد يضمن حدوث ردود فعل تخرق أمن تلك الدول ردا على هذه الافعال.
هل تريد السويد ان نجاملها، ونقول لها لابأس بحرق القرآن، حتى تبقى سمعتنا حسنة، والاجابة واضحة....فلا مجاملة في أخص خصوصيات العقيدة.