هذا عرض موجز لكتاب اكثر من رائع ويتحدث عن المضايقات التي يتعرض لها الامريكيين من اصول عربية الذين يزورون اسرائيل والاراضي المحتلة وهو من تأليف غريغوري اورفلي حيث نشرت منظمة ADC دراسة عن التفتيش المدقق في مطار تل ابيب وعن الاستجواب الذي يمكن ان يستمر اياما عدة والمراقبة والتنصت اثناء زيارة هؤلاء لاقاربهم في الضفة الغربية وتوقيفهم الطويل والمذل اعند الحاجز الموجود في جسر اللنبي عند عودتهم من الاردن .وحتى التوقيفات العشوائية التي كانت تجري بانتظام دون اعتراض من السفارة الامريكية .
جرى كل هذا قبل احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) ، حدث هذا قبل عقدين من اقدام جرافة اسرائيلية بالمرور فوق ناشطة السلام الامريكية راشيل كوري في الضفة الغربية ، لكن مقتلها لم يستدع اعتراض من بلدها ، مع انها لم تكن من الامريكيين من اصل عربي .
يقول الكاتب اثناء زيارته لبيروت عام 1982 . - مررت باطفال يلعبون كرة القدم امام دبابة سورية ، ومررت كذلك امام حارس فلسطيني قرب مدفع مضاد للطائرات وضع في شاحنة ، لاحظت ان سبع سنوات من الحرب ، قد حولت شاطئ بيروت الى مستودع من النفايات ، على امتداد الجدار البحري .
لاحظت ان الجنود الذين كانوا يحرسون المكان تحسبا من انزال اسرائيلي لم يكونوا لبنانيين ، بل كانوا من الفلسطينيين والسوريين ، بدا لي ان كل التوتر الموجود في بيروت قد تجمع في هذا المكان ، سباق سيارات رالي يليه اطلاق رميات كثيفة من الرصاص .
كنت قد رأيت ما يكفي من العلب والزجاجات الفارغة وحفاظات الاطفال المرمية على الشاطى والتي تشكل كومة غريبة على بوابة الشرق ، قتل ماية وستة وعشرون شخصا على الاقل في بيروت نتيجة السيارات المفخخة ، وذلك في الثلاثة اشهر الاولى من عام 1982 .
اصبحت السيارات المفخخة نقلة نوعية في شريط حياة المدينة التي تتصف بالفوضوية والوحشية ، زمجر محرك السيارة التي يقودها اللبادي وهو الناطق بلسان منظمة التحرير الفلسطينية خلفا لكمال ناصر .
دهشنا اثناء جولتنا للترتيبات الامنية التي تحظى بها مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية والتي هي في حدودها الدنيا ، لم يقم احد بتفتيشنا اثناء اقامتنا التي امتدت لثلاثة اسابيع ، واخبرتني كاتبة كانت تجول معنا ، وتدعى غرايس هاليسل ، انها كانت في اسرائيل وفتشوا كل اغراضها بما فيها احمر الشفاه .
قاد اللبادي السيارة الى يسار الطريق ، كما هو الحال في الطرق اليونانية ، مررنا بمنطقة الروشه ، الواقعة في الطرف الشمالي الغربي من المدينة ، اشار اللبادي الى قسم من سوق الروشه ، كان قد شهد تفجيرين بسيارتين مفخختين قبل اشهر قليلة ، دمر ثلاثون متجرا من متاجرها المتداعية في هذين التفجيرين ، بالاضافة الى ثلاثين سيارة مركونة هناك .
اعاد التجار بناء متاجرهم بأنفسهم دون اللجؤ الى الحكومة اللبنانية او منظمة التحرير الفلسطينية ، فقد اعتادت بيروت النهوض من بين رماد اشلائها ، ويشبه اللبنانيون في ذلك الفلسطينيون ، فما ان يتلقوا صفعة هنا حتى يظهروا في مكان آخر ، أنهم يشبهون الزئبق في ذلك ، أو البروتوبلازما ، ونستطيع القول أنهم يشبهون العراقيين بعد عقدين من الزمن ، ولربما منظمة القاعدة حسب تعبير الكاتب الامريكي العربي الاصل .
سألت اللبادي أثناء دعوته لي لتناول العشاء في مطعم شعبي لشوي السمك في بيروت ، ما هي حال ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ، فأجابني أنه سجين ، لأن الأشخاص الموجودين على رأس قيادة الثورة يتمتعون بقدر أقل من الحرية .
أضاف أننا منظمة حرة ، ويستطيع الناس ان ينضموا اليها ويتركوها بكل حرية ، وخفض صوته حينما بدأ يتكلم عن سلفه كمال ناصر ، وقال اطلقوا الرصاص عليه في فمه .
كان ناصر شاعرا مرموقا بين أوساط الفلسطينيين ، جلس هذا الشاعر على مكتبه في العاشر من نيسان / سبتمبر 1973 حيث اقتحم رجال كوماندوس اسرائيليون غرفته ، وقتلوه مع أثنين من حراسه ، وذلك لأنه كان شاعرا أسطورة بين الفلسطينيين ببيروت والخارج .
وتروى قصة حول موته المريع ، بأن الرصاص أطلق على راحتي يديه ، وعلى قدميه ، وعلى صدره ، وكل ذلك بسبب كونه مسيحيا عربيا .
ياسر عرفاتو
وصل اللبادي وضيفه الى مكان مهرجان خطابي في مدرسة ثانوية ببيروت ، وبعد ثلاث ساعات من الخطابات الطويلة كان ابرزها متحدثا كوبيا يترجم له شخص ما بالعربية فكان الجمهور يتفاعل معه وهو يزمجر ويرعد بحديثه عن فيديل كاسترو وخليج الخنازير والمعركة التي دارت رحاها هناك وعن الحرية .
وكذلك تحدث شخص ياباني والذي حيا ياسر عرفات بقوله ( ياسر عرفاتو) ، اقول وبعد ثلاث ساعات من الخطابات المملة حينا والشيقة حينا خصوصا تحية الياباني للختيار رحمه الله ، قام عرفات ليلقي خطابه فيهتاج الجمهور مجددا كما فعل مع الخطيب الكوبي الضيف ، حيث قال كلاما بديعا اجمل ما فيه ، أننا نريد ممرا في لبنان ، ولا نبتغي موطنا دائما .
وعندما فرغ عرفات من خطابه ، اندفع الجمهور بتصفيق حاد ، ثم خرج الناس بطريقة حضارية فوجئت بها شخصيا حسب وصف المؤلف الامريكي ، لم يصب أحد بأذى وبالرغم من كل البنادق والمسدسات والحماس والبلاغة .
المرجع / تاريخ الأمريكيين ذوي الأصول العربية تأليف غريغوري أورفلي بتصرف