إن الهجوم المسلح الذي شنه الأمن والشرطة الفرنسية على المتظاهرين وما تلاه من أعمال عدائية أديا إلى ظهور أشد أشكال انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي خطورة في الحياة اليومية للناس في فرنسا، مما عرض حياة عدد لا يحصى من الأشخاص للخطر، وتسبب في إعتقال جماعي وتدمير للبنية التحتية المدنية.
" يجب على السلطات الفرنسية أن تحمي حق التظاهر السلمي وفاءً بالتزامات فرنسا بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. على السلطات أن تُفرج فورا عمّن تعرضوا للتوقيف لمجرد ممارسة حقوقهم.
تُظهر التقارير الإعلامية ومقاطع الفيديو المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي والشاشات العالمية مساء 30 جون/حزيران 2023 آلاف المتظاهرين للحكومة الفرنسية الذين احتشدوا في عدة مدن فرنسا. يبدو أن قوات الأمن الفرنسية، بما فيها الجيش والشرطة، قد طاردت المتظاهرين وقبضت على أعداد كبيرة منهم ، كما حاصرت القوات ميادين وشوارع عدة في اغلب المدن الفرنسية الرئيسية ، بحسب تقارير إعلامية.
إن على الحكومة الفرنسية أن تأمر علنا قوات الأمن بالإلتزام بـ "المبادئ الأساسية بشأن إستخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين" التي وضعتها "الأمم المتحدة". تنص المبادئ على إستخدام قوات الأمن "وسائل غير عنيفة قبل اللجوء إلى إستخدام القوة الأسلحة النارية" وأن "في الحالات التي لا مناص فيها من الإستخدام المشروع للقوة أو الأسلحة النارية، يتعين على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين مراعاة (اولا) ممارسة ضبط النفس في إستخدام القوة والتصرف بطريقة تتناسب مع خطورة الجرم الهدف المشروع المراد تحقيقه؛ (ثانيا) تقليل الضرر والإصابة، وإحترام وصون حياة الإنسان". كما أنه "لا يجوز إستخدام الأسلحة النارية القاتلة عن قصد إلا عندما يتعذر تماما تجنبها من أجل حماية الأرواح".
التظاهر وسيلة قيمة للغاية لمواجهة السلطات بالحقيقة. على مر التاريخ، كانت التظاهرات بمثابة القوة الدافعة وراء بعض أقوى الحركات الإجتماعية، فكشفت الظلم وسوء المعاملة، وطالبت بالمساءلة، وألهمت الناس لإحياء الأمل في تحقيق مستقبل أفضل.
للأسف، هذه الحقوق الثمينة تتعرض للإعتداء، ويجب حمايتها من أولئك الذين يخشون التغيير، ويريدون إبقائنا منقسمين. تبحث الحكومات وغيرها من أصحاب النفوذ بإستمرار عن طرق جديدة لقمع التظاهرات وإسكات الأصوات المنتقدة. إن التوجهات العالمية نحو عسكرة الشرطة، وزيادة إساءة إستخدام القوة من قبل الشرطة خلال التظاهرات، وتضييق الحيز المدني، يعني أن البقاء في مأمن عندما تريد أن تُسمع صوتك يزداد صعوبة.
بدورنا نجدد الدعوة الى ضرورة إحترام معايير حقوق الإنسان والتي تشكل حاجة وضرورة ملحة لضمان إستقرار المجتمعات، لأن إحترام كرامة الإنسان التي تعد جوهر منظومة حقوق الإنسان، هي التعبير الحقيقي عن إستقرار تلك المجتمعات وإحترامها للقيم المشتركة. وما حرية الرأي والتعبير الا أحد المعايير الأساسية في إطار منظومة حقوق الإنسان، وبدون تمتع الإنسان بهذا الحق، لن يتمكن من التمتع بأي من الحقوق الأخرى.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي