بعد حرب لأكثر من عشر سنوات ومالحق بسورية من دمار في مؤسساتها وبنيتها التحتية وتهجير ملايين السوريين ودمار اقتصادي يعجز السوري عن توفير متطلبات الحياة لا تملك الدولة السورية إلا ممرا واحدا للخروج من كل هذا، ممر مفاتيحه ليست بيد إيران التي لا ترى في سورية إلا ساحة نفوذ وورقة تفاوض ولا بيد موسكو التي تخوض حرب استنزاف طويلة الأمد، لكن المفتاح بيد الدول العربية التي تريد بصدق أن تصل بسورية إلى حل يضعها مرة أخرى على أول طريق العودة للحياة الطبيعية.
الأردن من أكبر المتضررين من أزمة سورية، وهو اليوم يدفع ثمن اللجوء السوري وأيضا ثمن الفوضى والنفوذ الإيراني في سورية الذي يخوض ضدنا حرب مخدرات وأمن، والأردن كان منذ سنوات يدرك أن سورية الموحدة المستقرة مصلحة له وللإقليم، ولهذا تحدث عن حل سياسي وعن أفكار إعادة تأهيل سورية دوليا وفتح لها بعض الطرق عند الإدارة الأميركية الحالية ودول أخرى، وكان الطرح الأردني يبدو خيالا سياسيا لكنه اليوم بعد تغيير معادلات الإقليم أصبح واقعا وتم التوافق عليه عربيا وخاصة بعد تفكيك عقد مقاطعة العرب لسورية.
الأمر ليس سهلا لكن أول الطريق بعد الإيجابية السياسية والإعلامية السياسية مطلوب من القيادة السورية، وهي خطوات ليست سهلة وستجد من يعارضها مثل إيران لكنها ضرورة لابد منها حتى يتم تفكيك الحصار على سورية وفتح أبواب الحديث عن إعادة الإعمار.
تعودنا تاريخيا من القيادة السورية مهارة شراء الوقت والمماطلة في كثير من الملفات، لكنها اليوم لاتملك ترف الوقت وعليها أن تضع لنفسها خريطة طريق وتخدم نفسها حتى تتمكن الدول العربية المكلفة بالمتابعة مع دول العالم بأخذ خطوات عملية.
إذا كانت عودة سورية للجامعة العربية انتصارا ونهاية المطاف فإن هذا التفكير ليس سليما، ولا يمكن للعرب مساعدة الدولة السورية إلا إذا أخذت خطوات كبيرة كما وردت في بيان عمان الذي وافقت عليه سورية.
الأمر لا يتعلق بالنوايا بل بالخطوات العملية والبداية الأهم ملفا المخدرات وعودة اللاجئين مع الأردن، والمخدرات ملف أسهل لأن الإجراءات يجب أن تبدأ سواء بتوفير المعلومات للأردن عن كل الجهات والأفراد العاملين في هذا الملف وثانيا اتخاذ خطوات على الأرض نرى ثمارها في الميدان.
أما اللاجئون فكما قال وزير الخارجية السوري فاللاجئ السوري لايحتاج الى دعوة ليعود الى بلده لكنه يحتاج الى تويفر حياة كريمة أي بنية تحتية حياتية وأمنية تجعله يعود، أي هناك حاجة الى التعامل مع ملف اللاجئين بعيدا عن العواطف الى تبني إجراءات بالتعاون مع دول أخرى والأمم المتحدة تجعل العودة خيار السوري المهاجر.
أما الخطوات المهمة فتتعلق بالحل السياسي للأزمة السورية وهو البوابة نحو إعادة تأهيل سورية دوليا وتفكيك الحصار والعقوبات، وهذا الأمر يحتاج الى جرأة كبيرة من القيادة السورية، فهذا الحل اليوم يأتي في ظل قبول بوجودها، لكنه حل أول خيوطه في دمشق ومنها.
هنالك أطراف داخل النظام ومن إيران لن تكون معنية بوجود الحل السياسي لكنه الطريق الوحيد لإنقاذ سورية من الدمار الاقتصادي والعزلة الدولية والعقوبات، واذا كان لدى دول عربية حماسة ورغبة لخدمة سورية في هذا المجال فإن تباطؤ ومماطلة الدولة السورية قد يطفئ هذا الحماس وتذهب الأمور بعدها الى مسارات أقلها تكريس الدمار الاقتصادي والبعثرة الأمنية التي ما تزال سورية تعيشها.