زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - تحسنت مؤشرات تقول بإمكانية مغادرة الأزمة الاقتصادية في الأردن، لكنها نسبياً محدودة في الوقت الذي يسارع فيه الخبراء والمختصون للبحث عن مسوغات وخلفيات تلك المؤشرات الإيجابية.
وزير سابق ومختص بارز بالإدارة الاقتصادية والقطاع العام مثل الدكتور جواد العناني، لا يقدم وصفات متفائلة أو تمتدح الإجراءات ببساطة ودون مبرر. العناني وفي حلقات النقاش، قالها بصيغة فتوى اقتصادية عملياً عندما أعلن بأن الأردن بدأ بالخروج من أزمة النمو الاقتصادي مستعرضاً النشاط الذي رصد في القطاع السياحي وزيادة الصادرات، وخصوصاً التعدينية منها.
عملياً، لم يقل العناني إن الاقتصاد الأردني غادر أزمة النمو الاقتصادي، بل ما قاله هو أنه بدأ بالخروج. وفي حوار هامشي سابق مع “القدس العربي”، بقي العناني مشغولاً بالتأسيس لتلك المقاربة التي تستثمر في الإيجابيات مقترحاً منهجية النفس الطويل، ورافضاً سلبية التصور خصوصاً بناء على قناعات مسبقة ودون حقائق.
بالونات اختبار
والحقيقة التي راقبها المستوى الإعلامي والبيروقراطي الأردني طوال الأسابيع القليلة الماضية هي تلك التي تقول إن تحسين فرص النمو الاقتصادي كهدف طموح بقي مرهوناً طوال الوقت بالنشاط الذي ظهر في الموسم الحالي على صعيد السياحة وعودة المغتربين، وأيضاً بتلك المؤشرات التي تدفع للاعتقاد بأن الصادرات التعدينية حصراً مستقرة وتتصاعد خلافاً لتلك التي تتصور أو تفترض بأن الإيجابية التي يظهرها أحياناً صندوق النقد الدولي تحديداً هي التي تؤسس للاعتقاد بنجاح المقاربة المالية والضريبية حصراً.
ثمة جهد في السياق للحكومة الأردنية بعد بالونات اختبار فيها جرأة على صعيد مسارات بيروقراطية محددة، من بينها الانفتاح السياحي والدور التنموي المتطلع للاستثمار الذي تلعبه وزارة الداخلية.
ومن بينها أيضاً صمود وصلابة النظرية التي يعمل بموجبها وزير المالية الدكتور محمد العسعس في إدارة ملف الضريبة أولاً، وتحسين كفاءة التحصيل وقواعد الاشتباك ثانياً، مع وصفات التصحيح الاقتصادي التي تقترحها المؤسسات المانحة. وما تثبته الاعتبارات هنا أن الحراك النشط على صعيد برامج سياحية وتخفيف القيود الأمنية على الزوار والأجانب والسياح خطوات دعمها وباهتمام مع تنويع الخيارات بالمنتج السياحي وزير السياحة الحالي مكرم القيسي.
ورغم أن البلاد لم تستعِد بعد عافيتها السياحية تماماً وفيها إمكانات كبيرة ممكنة، فإن مبادرات التحريك السياحي النشطة استقطبت مئات الآلاف من الزوار مؤخراً. والرهان بعد الزلزال التركي وإخفاقات بيروت السياسية ومشكلات الاقتصاد المصري يتمثل في التمكن من جذب سياح العائلات العربية بصفة أساسية.
وهو الأمر الذي يبرز دور القرارات الجريئة التي اتخذتها مؤخراً وزارة الداخلية ضمن هوامش حراكات ومنطق الوزير مازن الفراية الذي لمست “القدس العربي” مباشرة وهي تتحدث معه، إيمانه الشديد بأن الانفتاح على الزوار والأجانب منتج وممكن بدون كلفة، وتقديره بأن وزارة الداخلية بمؤسساتها وأجهزتها لها دور أساسي ومحوري في تمكين الاستثمار وأحياناً جذبه وحمايته.
مؤخراً فقط، بدأ يظهر وزير الداخلية في ورش عمل ومنتديات اقتصادية تتحدث عن الاستثمار. ذلك جديد ومثير، وإن كانت عبارة العناني عن بدء الخروج من أزمة النمو تحتاج إلى تفسير وقراءات أعمق وشروحات تعفي المواطن الأردني البسيط من الانتظار الطويل لانعكاس مؤشرات النمو الاقتصادي على حياته ومعيشته.
مبادرات التنويع السياحي بتوقيع الوزير القيسي ساهمت في تحقيق بعض التوازن في المشهد، فالمرافق والمنشآت السياحية بعد التنويع والانفتاح قليلاً تحسنت أحوالها قياساً بالزلزال المالي الذي رافق عامي فيروس كورونا.
بالمقابل، ما يبدو أن وزير المالية يفعله ويحرص عليه دفع مؤسسات التمويل الدولية إلى إظهار التقدير لخطة الأردن في مرحلة ما قبل الانطلاق نحو تحسين نسبة النمو الاقتصادي. التقرير الأخير من صندوق النقد الدولي يشير إلى أن الأردن يحرز تقدماً في توسيع القاعدة الضريبية وتحسين الامتثال وكفاءة التحصيل ونظام الفوترة. وتلك مهمة وزير المالية. وأثبت وزيرا الداخلية والسياحة بأن التفكير خارج الصندوق أفضل بكثير من التمسك بالمعلبات البيروقراطية.
مشكلتان تفرضان إيقاعهما
لكن هناك مشكلتين تفرضان إيقاعهما بقسوة وغرابة رغم المناخات الإيجابية وتصريحات خبراء من وزن الدكتور العناني، ورغم تلك الإيجابية التي يحاول إظهارها والبناء عليها الوزير الفراية.
الأولى هي الحاجة الملحة لمقاربة تعفي المواطن الأردني من الانتظار الطويل، لأن الرصيد المعيشي على حافة الإفلاس، والوضع معقد وصعب، وهو أمر لا أحد يعرف كيف يمكن للطاقم الاقتصادي الحكومي المساعدة فيه وإن كان ليس ضمن واجباته.
والمشكلة الأخرى هي تلك التي تشير إلى أن بعض أجنحة الطاقم الوزاري التي لا تعمل عملياً ولا تجتهد، تحاول إعاقة من يعمل ويجتهد، في مفارقة متكررة تحتاج فيها الحكومة الحالية إلى رفع مستوى وإنتاجية العمل الجماعي والانسجام.
صورة الاقتصاد الإيجابية وهو يتجه نحو مغادرة أزمة النمو الاقتصادي، تقابلها صورة أخرى بحاجة إلى تدقيق وتأمل عميق؛ فالبنك الدولي قبل أسابيع فقط توقع زيادة مقلقة في أعداد الطبقات الفقيرة في الأردن، وثمة تقرير صدر للتو من مؤسسة خاصة يشير- كما نشرت وكالة سرايا- إلى أن نحو أربعة ملايين أردني أو شخص في الأردن على الأقل في طريقهم للانزياح في الاتجاه تحت سقف خط الفقر المعلن، فيما كان رئيس الطاقم الاقتصادي الوزير ناصر الشريدة قد قدر نسبة الفقر العام بـ 24 % دون أن يعلن خطة حكومة في المواجهة.