بعد مرور عام ونصف على إندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية , أو ما أسماها الطرف الروسي بالعملية العسكرية الخاصة لم يستطيع الغرب هزيمة روسيا في أوكرانيا وإسترداد المقاطعات التي ضمتها روسيا مؤخراً وهي دونيتسك ولوهانسك وزاباروجيا وخيرسون ولا حتى جزيرة القرم التي ضمتها روسيا قبل 9 أعوام ,وذلك من خلال الهجوم الأوكراني الأخير والذي أعتبر نقطة التحول الكبيرة في الحرب, والذي سبب صدمة كبيرة لدى الغرب بسبب الفشل الذريع له, إضافة إلى عدم القدرة على ضرب الإقتصاد الروسي من خلال العقوبات الإقتصادية على روسيا , فقد شاهدنا مؤخراً أن هذه الحرب أثرت على الإقتصاد الروسي بنسبة بلغت 3% فقط من ناتجه الإجمالي العام الماضي.
أما بالنسبة إلى حلفاء أوكرانيا , فقد لاحظنا أن الحرب رفعت أسعار الطاقة والتي بلغ معدلها العام الماضي 103 دولار للبرميل الواحد, وهذا أدى إلى إرتفاع الأسعار عالمياً وخصوصاً في الغرب وفاقم من التضخم العالمي وأدى إلى دخول أوروبا في ركود إقتصادي لعدم تحقيقها نمواً في آخر ربعين, والضغوطات التي قام فيها القادة الأوروبيون على الولايات المتحدة والتصريحات ضد الحرب وكان آخرها ما صرح فيه رئيس الوزراء البلغاري رومين راديف عندما إنتقد أوكرانيا قائلاً إنها المسؤولة عن الحرب المستمرة مع روسيا وأضاف أن إمداد أوكرانيا بالسلاح لا يؤدي إلا إلى إطالة أمد الحرب.
ولا ننسى حلفاء الولايات المتحدة من الدول النفطية عندما تمردوا عليها من خلال تخفيض إنتاجهم النفطي أكثر من مرة من خلال إجتماعات أوبيك بلس وذلك للحفاظ على أسعاره مرتفعاً ليحقق لهم دخلاً لتنفيذ مشاريع وخطط بلادهم, بعيداً عن مصالح الولايات المتحدة التي كانت ذات أولوية في السابق,وكذلك تمدد مجموعة بريكس والتي ستشهد نهاية العام إنضمام 20 دولة لها معظمهم من الحلفاء القدامى للولايات المتحدة, وتسرب بعض القادة الأوروبيين لزيارة الصين بطابع إقتصادي وإبرام إتفاقيات معها.
إن ما عانت منه الولايات المتحدة لم يكن بأقل مما عاناه العالم , فقد إرتفعت الأسعار في الولايات المتحدة وأدت لغلاء المعيشة وعدم السيطرة على التضخم,وأصبح سقف الدين مرتفعاً بزمن قياسي بلغ قبل شهرين 31.4 ترليون دولار وتم تأجيله لبداية عام 2025 , ولا ننسى أيضاً كلفة الحرب الباهضة التي إستنزفت لغاية الآن 200 مليار دولار من الإقتصاد الغربي , وأفرغت مخازن السلاح الغربية من الذخائر والأسلحة التي قد تحتاجها لدعم شركائها في حالة تعرضهم لمخاطر في مناطق مختلفة من العالم.
وبحسب إعتقادي فإن النقطة الفاصلة إضافة إلى مما سبق هو إستخدام روسيا حرب الغذاء العالمي والضغط على الغرب, حيث تخشى الولايات المتحدة أن يتم إستقطاب دول جديدة للقطب الروسي الجديد من خلال إستغلال حاجتهم للمحاصيل الغذائية الإستراتيجية وخصوصاً دول العالم الثالث وبعض من دول الإقتصادات الناشئة من خلال إبرام إتفاقيات ثنائية معهم.
إضافة إلى أنه لم يبق في الميدان الأوكراني أي دعم تقليدي من أسلحة وذخائر ومنظومات دفاعية متطورة إلا وتم تزويد الأوكرانيين بها, وإن ما يجري على الأرض هو لصالح روسيا بعد ضمها المقاطعات الأربع وتوسعها على الأرض الأوكرانية غرباً , ولا ننسى مؤخراً السيطرة شبه الكاملة على البحر الأسود من خلال تدمير الموانىء الأوكرانية في أوديسا مما أدى إلى عزلها ,لذلك إستشعرت الدولة العميقة في الولايات المتحدة ان إستمرار الحرب سيشكل خسارة كبيرة لهم على جميع الأصعدة وإن أي تطورات ميدانية على الأرض ستؤدي إلى حرب نووية , لذلك ستطلب من أوكرانيا الجلوس على طاولة المفاوضات مع روسيا.
لكن ماذا بعد كل ذلك ,لو أصرت الولايات المتحدة بعدم جلوس أوكرانيا على طاولة المفاوضات مع الروس؟ بإعتقادي ستدفع بأحد حلفاء الناتو وهي بولندا بالقيام بعملية عسكرية غرب أوكرانيا بدعم من الناتو بقيادة الولايات المتحدة وإحتلال جزء من أوكرانيا خشية أن تقع أوكرانيا كلها سياسياً وعسكرياً بيد روسيا , أو بدفع بولندا لمهاجمة بيلاروسيا , كل ذلك لإطالة أمد الحرب وإستنزاف روسيا والأوروبيين لما يخدم مصالح الولايات المتحدة العليا, وفي النهاية سيكون هناك أوكرانيا شرقية تتبع لروسيا وأخرى غربية تتبع للغرب بعد الجلوس على طاولة المفاوضات, وسيتم إلزام روسيا بالإعمار وذلك بالإستحواذ على الأصول الروسية التي إحتجزها الغرب العام الماضي والتي تقدر ب300 مليار دولار.
الخبير والمحلل الإستراتيجي في السياسة والإقتصاد والتكنولوجيا
المهندس منهد عباس حدادين
mhaddadin@jobkins.com