لا تتوقف تصريحات نتنياهو منذ سنوات وحتى قبل يومين عن الحديث عن أمنية إسرائيلية يتم السعي إليها لفتح أبواب علاقة سعودية إسرائيلية، وآخر ما قاله نتنياهو إنه مستعد لإعطاء الفلسطينيين تسهيلات اقتصادية مقابل التطبيع مع السعودية.
وحتى الإدارة الأميركية الحالية والتي تدخل العام الأخير من ولايتها بعد شهور تسعى بكل اجتهاد لتقدم لإسرائيل هدية ثمينة وهي اتفاق سعودي إسرائيلي، لكن مشكلة الإدارة الأميركية الحالية أنها لم تكن موفقة في بداية عهدها مع السعودية ثم استغرقت في حرب روسيا وأوكرانيا، لكن إنجاز اتفاق سعودي إسرائيلي هدف تريد هذه الإدارة إنجازه وهي تدخل عام الانتخابات لولاية ثانية.
هنالك تحركات مهمة غير معلنة في هذا الملف، لكن السعودية اليوم دولة تتحرك بمعطيات مختلفة عما كان الحال قبل سنوات، فقد استطاعت أن تعزز حضورها الإقليمي والدولي ودورها عبر سياسات تجاه دول وملفات مهمة، وذهبت إلى تبريد أزمات كانت تستنزفها مع إيران وملف اليمن وغيرت شكل علاقتها بالملف السوري من عداء للنظام السوري إلى أن أصبحت السعودية بوابة عودة سورية إلى الجامعة العربية، وتوقف الصداع السياسي المقبل من التوتر مع إيران ولو مؤقتا، وفتحت للصين مساحة أكبر سياسيا في الإقليم فضلا عن تعزيز تعاون دول الخليج مع الصين، وحتى في حرب روسيا وأوكرانيا فإن السعودية تعاملت بتوازن جعل منها طرفا ممكنا لفتح أبواب للحل السياسي، وكل هذا الجديد يجعل من الوصول إلى اتفاق سعودي إسرائيلي أمرا له شروط ومتطلبات ليست سهلة.
العقدة التي تعمل إسرائيل في كل علاقة جديدة مع دولة عربية أو إسلامية على تجنبها هي القضية الفلسطينية، فإسرائيل تريد علاقات ثنائية وتعاونا إقليميا ليس على أجندته الملف الفلسطيني، لكن دولة بثقل السعودية ومكانتها تعلن دائما أنها لا ترفض إقامة علاقة مع إسرائيل لكن بارتباط مع القضية الفلسطينية، ولهذا فنتنياهو يقول دائما إنه مستعد لتقديم تسهيلات اقتصادية للفلسطينيين، وهو التفاف إسرائيلي لأن الأهم هو الحقوق الوطنية والسياسية للشعب الفلسطيني.
نتنياهو الذي يعاني من أزمة داخلية منذ شهور مع المعارضة يتمنى أن يتمكن من فتح الأبواب مع السعودية لأن هذا سيكون إنجازا كبيرا له في مواجهة خصومه، وهو يضغط على حليفته واشنطن لمساعدته، لكن مؤكدا أن ثمن إنجاز الاتفاق سيكون كبيرا وهو حزمة من الاتفاقات والمصالح السعودية مع أميركا أيضا فضلا عن الجانب السياسي مع إسرائيل الذي لا تحب حكومة نتنياهو الحديث فيه.
سياسيا المسافة بين اليوم والوصول إلى بوابة اتفاق سعودي إسرائيلي معلومة الخطوات، والسعودية لا ترفض مبدأ العلاقات لكنها تضع شروطا وتبحث عن مصالح لها، ومثل هذه الأمور إذا كان لها مسار غير معلن فقد يظهر فجأة، وقد لا يظهر أبدا إذا كان الطرف الإسرائيلي ومعه الإدارة الأميركية يريدان اتفاقا مع دولة مثل السعودية دون دفع ثمن بحجم الاتفاق.
وأخيرا فإن أي اتفاق سعودي إسرائيلي إن حصل ربما يكون مدخلا أو جزءا من صفقة أكثر شمولا في الإقليم للقضية الفلسطينية، وربما أمورا أخرى.