يجتهد الأردن باتخاذ كل ما هو ممكن من أجل جذب الاستثمارات والمستثمرين، ايمانا ويقينا بأن ذلك يعد الخطوة الأهم للنهوض بالاقتصاد الوطني ورفع معدلات النمو وخلق وظائف تشغّل الشباب العاطلين و/أو الباحثين عن العمل..ولذلك فقد تم خلال الفترة القليلة الماضية ما يلي :
1 - إطلاق «رؤية التحديث الاقتصادي 2033»، وفي مقدمة ركائزها رفع معدلات النمو لتصل الى (5.8 %) في العام 2033 وخلق نحو (1.1 مليون وظيفة) وتوفير تمويل يصل الى نحو (41 مليار دينار) يراهن على القطاع الخاص كي يوفر نحو ( 73 %) من ذلك التمويل ومن خلال استثمارات من الخارج والداخل.
2 - انجاز سلسلة من التشريعات التي تساعد على خلق بيئة جاذبة للاستثمارات، وفي مقدمة تلك القوانين والتشريعات: قانون البيئة الاستثمارية، والذي وفّر العديد من الحوافز، وما تلاه من قانوني المنافسة والشركات، ومؤخرا قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص.. وجميع تلك التشريعات راعت في كثير من تعديلاتها احتياجات المستثمرين، وتوفير كل ما يلزم بالمساعدة على جذب الاستثمارات الى الاردن.
3 - اطلاق وزارة الاستثمار مؤخرا نحو (21) مشروعا استثماريا بكلفة اجمالية تصل الى نحو (مليار دينار).
4 - اطلاق وزارة الاستثمار أيضا مؤخرا منصة «استثمر في الاردن» التي تضع العديد من الخيارات، وتؤشر على مشاريع ذات جدوى اقتصادية، وتمثّل فرصا استثمارية في معظم محافظات المملكة.
علاوة على ذلك، فقد نشطت مؤخرا الزيارات واللقاءات والاجتماعات المشتركة بين ممثلي الاردن من القطاعين العام والخاص ونظرائهم في الدول الشقيقة والصديقة، اضافة للمشاركة في المعارض المتخصصة هنا وهناك..وكل ذلك في اطار الجهود المبذولة من أجل تسويق الأردن ومن أجل جذب الاستثمارات الخارجية.
كل ما تقدم جميل ورائع ومطلوب الاستمرار به.. ولكن..ومع هذا الجهد المبذول من أجل جذب المستثمرين غير الاردنيين من الخارج نتساءل : لماذا لا تُبذل جهود مماثلة من أجل دعم وتشجيع المستثمر الاردني للاستثمار في الأردن..وأحدّد ما أعني فأقول :
1 - لماذا لا يتم العمل على تذليل معوقات الاستثمار أمام المستثمر الاردني في مختلف القطاعات، والتي بات القاصي والداني يعرفها لكثرة ترديدها عبر مختلف وسائل الاعلام، وفي مقدمتها تخفيض كلف الانتاج وتحديدا كلف الطاقة بأنواعها من غاز وكهرباء وأصناف المحروقات، لتمكين تلك القطاعات على المنافسة مع الخارج ؟
2 - لماذا لا يتم العمل بجديّة أكثر على جذب الاردنيين الذين باتوا رقما استثماريا صعبا في دول الخليج وتركيا وغيرها من الدول، فلماذا لا تتوجه استثماراتهم الى الاردن ؟...وما الذي وجدوه هناك من حوافز وفرص لم تتوفر هنا في بلدهم ؟
3 - في كل عام تقريبا نستضيف مؤتمرا للمغتربين الاردنيين في الخارج، واحيانا أكثر من مؤتمر في العام الواحد..ويتم الاستماع الى هموم وشجون المغتربين الاردنيين وملاحظاتهم على البيئة الاستثمارية والفرص المتاحة والتحديات التي يواجهونها، والتي تطرّز دائما بتوصيات يتم رفعها للجهات المعنية.. فما الذي تحقق من تلك التوصيات؟.. وما الذي تمت ازالته من تلك المعوقات التي تحدثوا عنها ويكررونها في مؤتمراتهم كل عام ؟
4 - نتحدث دائما عن دور سفاراتنا في الخارج بجذب الاستثمارات...والشهادة لله بأن هناك سفارات أردنية وسفراء يقومون بدور جبّار، بمتابعة كل ما من شأنه تسويق الاردن وعرض الفرص الاستثمارية في الخارج بل ومتابعة ما يلزم مع الجهات الرسمية في الداخل.. ولكنّهم أيضا يواجهون صعوبات مع بعض الجهات المعنيّة هنا تتمثل غالبتها بالروتين، وبيروقراطية تعوق سرعة تذليل العقبات والانتقال من تكرار الحديث عن شكاوى التحديات، الى مرحلة تنفيذ المشاريع الملموسة على الارض، والتي تترجم كل تلك الجهود (المبعثرة) الى فرص استثمارية وانتاجيةوتشغيلية.
هناك دور كبير مطلوب من جهة واحدة (مركزية) عليها أن تنّسق وتتابع جميع تفاصيل المنظومة الاستثمارية مع كافة عناصرها والمعنيين بها..والا سنبقى نتحدث عن الاستثمار وجذب الاستثمار على طريقة «العزف المنفرد والمتقطع»، بدلا من «سمفونية الأوركسترا المتكاملة».