كفاءة دبي في اكتشاف كل القتلة فورا وبالتوثيق المفصل ردّ لنا بعض الاعتبار بعد أن نفّذ الموساد عملية اغتيال الشهيد محمود المبحوح باتقان تام كشف من بين ما كشف وضع الأمن الفلسطيني الضعيف والمخترق. وتمكن الاردن في ضوء المعلومات التي قدمت له من دبي من القبض على فلسطينيين اثنين مشتبه بتورطهما وتسليمهما لدولة الامارات، ويجب أن تحذو الدول الأوروبية الأخرى الحذو نفسه فتوفر كل المعلومات عن هؤلاء الأشخاص، وحتّى لو كانت وثائقهم مزورة فيجب ان يتم القبض عليهم سريعا جدا، فالأماكن التي عادوا لها وأسماؤهم ووثائقهم التي تحركوا بها ووجوههم وهيئاتهم كل شيء موثق وسيحول فقط تراخي أو تواطؤ أمن هذه الدول دون الامساك بهم.
في الحقيقة ان الكشف عن الجريمة والمتورطين فيها يحولها من إنجاز أمام الرأي العام تتباهى به اسرائيل ويزهو به الموساد ولو دون إعلان صريح الى فضيحة مخزية للدولة العبرية وقادتها، الكشف عن وجوه القتلة ووصولهم وراء القضبان سيحولهم من ابطال خارقين الى قتلة مأجورين، وبكشف الوقائع أمام القضاء يصبح لدينا ولأول مرّة في تاريخ الاغتيالات الاسرائيلية "جريمة " أعطى فيها مسؤولون حكوميون أوامر بقتل شخص بدم بارد في دولة أخرى ما يرشحهم فورا للمثول أمام محكمة جرائم حرب دولية.
في دبي لا تكاد تصادف شرطيا لكن ها نحن نكتشف قوّة وكفاءة أمنية تكنولوجية باهرة لعل رجال الموساد الذين رتبوا بغرور وثقة كل تفاصيل "الجريمة الكاملة" التي لا تترك للصدفة شيئا لم يحسبوا حسابها عند الأشقاء في دبي حيث تحولت العملية السرية الى مشهد تلفزيوني مصور من ألفه إلى يائه، وبدل الحرج والخزي أمكن لرئيس شرطة دبي أن يخرج إلى الصحافة في مؤتمر يقدم فيه فضيحة الموساد ويطلب من الدول ذات العلاقة القبض عليهم وتسليمهم. ونتوقع أن تتابع دولة الإمارات الشقيقة بكل حزم هذه المطالبة واذا أمكن إحضار أي عدد منهم فستكون المحاكمة فضيحة مدويّة للكيان الصهيوني تعزز الملاحقة على جرائم سابقة كثيرة آخرها المجازر المروعة في حرب غزّة.
من جانب آخر قد يكشف القبض عل اثنين من الفلسطينيين حقائق عن الاختراق الأمني الاسرائيلي الذي طالما كان وراء نجاح العديد من الاغتيالات، ومنها الكثير من قادة حماس. وعملية الاغتيال الاخيرة توضح اختراقا أكيدا في الدوائر المحيطة بالشهيد، فرجال الموساد سبقوه إلى دبي لتهيئة مسرح الجريمة، ما يعني أنهم على علم مسبق ببرنامجه، وحسب تقارير إعلامية فان الشريط الذي يحوي مقابلة مع المبحوح وبثّت الجزيرة مقاطع منه بعد اغتياله لم يكن مقررا إصداره بل اتلافه لأنه عمل خاطئ أمنيا، إذ يظهر وجه الرجل وهو يتحدث عن دوره في عملية قديمة لقتل أسيرين اسرائيليين. سجل الدولة العبرية هو الأكثر إجرامية في العصر الحديث إلى جانب النازية والفاشية، والفارق فقط أنه أكثر كفاءة ودهاء في كل الحقول من ضحاياه.
jamil.nimri@alghad.jo
جميل النمري