من الجاذبية الشديدة للهجرة والسفر والسياحة وشراء العقارات، إلى النفور والمخاوف مما هو مقبل وآت في تركيا، والعرب يتهمون الأتراك بالعنصرية، والأتراك يتهمون العرب بالفوضوية.
وسائل الإعلام وصفحات التواصل تفيض دفعة واحدة بالحديث هذه الأيام عن العنصرية ضد العرب، وربما أحد الفيديوهات لشقيقة عربية تدافع عن نفسها، وهي التي جاءت للسياحة، وتعرضت لمضايقة أحدهم، إضافة إلى عشرات الفيديوهات المختلفة لحالات اعتداء، وفيديوهات تنقل شتائم أتراك بحق العرب، وتصفهم بالقذرين، والبشعين بطريقة تناولهم الطعام.
هناك أجواء غير طبيعية، فالأتراك من جهتهم بينهم تيارات سياسية تعادي العرب، أساسا، وتتذمر من وجودهم وخصوصا وجود السوريين ومنافستهم لهم اقتصاديا، وتأثيرهم عليهم، مع إدانة الحكم الحالي كونه فتح تركيا للعرب، وهنا من المؤكد أن التوظيف السياسي امتد إلى القاعدة الشعبية التي باتت ترسل رسائل معادية، ربما بسبب الضغط الاقتصادي أيضا.
العرب أيضا يقولون إن هناك عنصرية مستجدة، إذ يكره بعض الأتراك العرب، ويرفضون أن تتحدث بالعربية، ويعادون العربي علنا، ويعتبرون العربي همجيا وفوضويا وغير نظيف، يقوم بتخريب أي منطقة يسكنها، ويعترف بعض العرب هنا أن هناك تصرفات عربية جلبت غضب الأتراك بسبب تورط العرب في بعض الجرائم، وجرأتهم على الأتراك، وفوقية العربي في معاملة الآخرين، ومنافسة الأتراك اقتصاديا، ومحاولة التمدد وسط مناطق غير متدينة أصلا في تركيا، ترحب بالوجوه الشقراء من أصحاب العيون الزرقاء بابتسامات عريضة، وأمام كتل اجتماعية تركية ترى في العرب عداوة تاريخية بسبب انقلاب العرب على تركيا نهايات الخلافة العثمانية.
كثير من العرب حاولوا خلال السنوات الماضية الاستقرار، أو الاستثمار، وقامت العائلات بتسجيل أبنائها في المدارس، إلا أن التغير الجذري في حياة العرب في تركيا بدأ بالتزامن مع انخفاض سعر الليرة التركية، وارتفاع الأسعار، ومعارك رئاسة أردوغان الذي هاجمه خصومه من زاوية فتح تركيا لهؤلاء، وغيرهم، وسط ضنك اقتصادي، إضافة لتبنيه لشعارات إسلامية تسترد جاذبية الخلافة ضمنيا، وتجذب كل هذه الجنسيات إلى مشروع الخلافة الجديدة، والتداخلات هنا معقدة مرورا بموقف الأميركيين والإسرائيليين والعرب، وتدخل تركيا بالملف السوري، وبملف الربيع العربي، وكانت النتيجة المباشرة ثقل كل هذه الاستقطابات على الأتراك.
هناك أصوات تعتقد أن هناك عملية متعمدة لتشويه سمعة تركيا تديرها قوى خفية، وأن حالات العنصرية الفردية والنادرة يراد تعميمها حتى ينقلب العرب على الأتراك، وتفقد تركيا مواسمها السياحية من ناحية اقتصادية، في سياق صراع سياسي داخلي، وإقليمي ودولي، وتقول هذه الأصوات إن هناك آلاف الأدلة على عدم عنصرية الأتراك عكس ما يروّج له، وإن عملية تحطيم تركيا اقتصاديا هي المقصودة من وراء هذه الحملات، إضافة إلى إنهاء التعاطف بين العرب على المستوى الشعبي نحو حكم أردوغان، من خلال تصنيع صورة جديدة مغايرة لما هو سائد، وتعتقد هذه الأصوات أنه قبل نقد الأتراك علينا أن نسأل الأتراك ذاتهم عن ملاحظاتهم على تصرفات العرب، ولماذا ينفرون منهم، وهل تأسست ظلما، أم بسبب تصرفات عربية سيئة.
في 16 كانون الثاني عام 2019 كتبت مقالا هنا في "الغد" بعنوان "هروب عائلي من الأردن إلى تركيا" ناقشت فيه ظاهرة هجرة العائلات الأردنية إلى تركيا، وهجرة رؤوس الأموال من الأردن إلى تركيا، والمقالة بنيت على جو كان يتأسس بقوة بهذا الاتجاه، واليوم حدث تراجع حيث يعيش من الأردنيين في تركيا 24 ألف شخص فقط، ويسافر أردنيون لغايات السياحة أو الدراسة، وبعضهم يعيش في تركيا لوجود مطالبات وقضايا مالية بحقه في الأردن.
هل التصرفات العنصرية نادرة ويراد تعميمها ظلما على كل الأتراك، أم أن تركيا تغرق في العنصرية حقا في سياق تحول جديد لاعتبارات مختلفة، وهل هذه الأجواء نشأت بشكل طبيعي وكرد فعل على قضايا كثيرة، أم أنها مصنوعة في المختبرات المعتمة في سياق مؤامرة ما.
لننتظر وسنعرف أيها القوم.