زاد الاردن الاخباري -
بقرار قطعي تم رفض الاقتراح الذي تقدم به أحد رجال الأعمال الأردنيين بعنوان ترخيص مركز متخصص في مناطق الجنوب لاستقبال الحجاج الشيعة تحديداً، يعني أن المنظومة البيروقراطية المحلية ليست مستعدة بعد لخطوة من هذا الصنف رغم كل ما قيل عنها مؤخراً.
ورفض الاقتراح المشار إليه قرينة جديدة على أن الحسابات التي ترتبط بفتح ملف السياحة الدينية تحديداً لا تزال صعبة ومعقدة رغم الجهود الملموسة في تمهيد الأرضية لهذا النمط من الاستثمار السياحي، التي يبذلها وزير السياحة الديناميكي حالياً مكرم القيسي.
يناصر بعض أعضاء مجلس الوزراء الفكرة التي تتحدث عن تطوير قابلية اتخاذ قرارات جريئة بخصوص السياحة الدينية تحديداً باعتبارها منتجاً مثمراً مالياً وينعكس إيجابياً على تنشيط القطاع السياحي في البلاد.
هذا النمط من الانفتاح يدرس بعناية على المستوى الوزاري السياسي، ونوقش مباشرة من الوزير القيسي أو من وزير الداخلية مازن الفراية، عدة مرات دون النص المباشر طبعاً على الجزء الشيعي من السياحة الدينية، فيما الحديث عن تنشيط وتفعيل سياحة المغطس للمسيحيين والانفتاح قليلاً ولو بجرعات بسيطة على سياحة المقامات التي تحظى بمكانة رفيعة وسط العراقيين الشيعة، خصوصاً في مدينة الكرك جنوبي البلاد.
تطورت النظرة السياسية والبيروقراطية هنا، لكن المنظومة الأمنية الأردنية لا تزال تحتفظ بتحفظات وتجد بأن مسألة من هذا الصنف تحتاج لمزيد من التأمل العميق باعتبارها سيادية وليست سياسية فقط أو اقتصادية.
يحاجج الداعون إلى اتخاذ خطوات جريئة وواثقة باتجاه تفعيل السياحة الدينية تحديداً مثل الدكتور ممدوح العبادي، بأن الحكومة تأخرت في خطوات منتقدة في مثل هذا النوع ودون مبرر واضح، لأن المكاسب موجودة هنا كما شرح العبادي مرتين على الأقل، والثمار يمكن التقاطها ببساطة، والعوائد شبه مضمونة، ومؤسسات الدولة موثوقة وتستطيع التصرف.
وسبق لصحيف “الرأي” الحكومية أن ألمحت إلى جهود أمنية خاصة لحماية زوار شيعة لمقامات الكرك. وسبق لهذه الإشارة الصحافية أن صنفت بأنها تحفيزية وتؤشر إلى أن القناعات البيروقراطية تتغير لكن الخطوات اللازمة لم تتخذ بعد، والتردد يملأ أروقة القرار الأردني، فيما يحاجج المتحفظون الراشدون بأن مخاوف تسلل عناصر إيرانية تحديداً عبر ستار السياحة الشيعية الدينية جدية وحقيقية ولا يمكن احتواؤها بنظام فلترة أمني مسبق أو لاحق.
ويحاجج أيضاً أصحاب هذا الرأي من البيروقراطيين الأردنيين بأن فتح المجال أمام الشيعة العراقيين وحدهم فقط لا ينطوي على منطق عملياتي، لأن عدداً عملاقاً من الإيرانيين يحملون جوازات سفر عراقية والعكس صحيح، ولأن القناعة راسخة وشبه عقائدية بأن التمهل الشديد في هذا الملف تجنباً للمزالق والمفاجآت هو الخيار الأكثر حكمة الآن، خصوصاً في ظل عدم تثبيت معادلة علاقات سياسية ودبلوماسية مع الإيرانيين على أساس التفاهم والاحترام المتبادل.
وعلى الرغم من أن رئيس مجلس النواب الأردني أحمد الصفدي أقر بأنه سمع مقترحات من شخصيات عراقية بارزة ومن بعض المستثمرين تستحق الدراسة بالخصوص، فإن السلطات الأردنية لا تزال متشككة جداً، وتعتقد بأن فتح الباب أمام سياحة الشيعة حصراً ضمن مواصفات السياحة الدينية هي خطوة ليست سهلة ولا بد من تقليب أوراقها بحزم وعمق مع أنها مطلوبة ومرغوبة. لذلك، لا تبدو الوعود اللفظية والإنشائية من بعض كبار موظفي الحكومة ملزمة أو واقعية حتى الآن.
ولذلك أيضاً، يمكن فهم المبررات التي انتهت إليها نصائح توجه بالتراجع عن فكرة إقامة مركز لخدمات الحجاج الشيعة في مناطق أردنية، باعتبارها خطوة قد تبقى متسرعة الآن.
الصفدي كان قد سع مقترحات محددة من عراقيين، بينها الموافقة على برامج للزيارات الدينية للمقامات في مدينة الكرك متفق عليه مسبقاً وفي أضيق نطاق ممكن، ويخضع للكشف الأمني الأردني على الأسماء مسبقاً. ومن بينها الاستعداد لتوفير مئات الملايين من الدولارات لأغراض مشاريع استثمارية الطابع في هذا السياق، والاستعداد لتحويل رحلات جوية منضبطة جداً والاقتصار على العراقيين فقط وبأعداد مجدولة زمنياً قابلة للسيطرة الأمنية، خلافا لمقترحات أخرى وصلت حد الاستعداد لإقامة مطار في مدينة الكرك أو قربها لأغراض تنظيم رحلات وزيارات الحج الشيعي.
وأغلب التقدير أن الصفدي نقل تلك المقترحات لكبار المسؤولين في بلاده، وأن جملة حماسية رافقت ذلك. لكن الحماسة لا يكفي بعد لاتخاذ قرارات جريئة يطلبها اليوم مستثمرون عراقيون وأردنيون تحت عنوان فتح المجال أمام سياحة المقامات الشيعية، وإن كان الملف يدرس أصلاً وبعناية جراء المعطيات المتاحة، فيما يساهم في تقدم أو إعاقة العلاقات الأردنية العراقية.
الانفتاح على السياحة الدينية الشيعية أردنياً لم يصبح قراراً بعد، وإن كانت هناك فكرة تتجول في الأروقة ببطء شديد