تطالعنا كل يوم أخبار في غالبها مشؤومة ، تثير في نفوسنا الحزن والأسى ، تدمع لها العيون وتجعل من صدورنا مأوى" لمخاوف ووكرا لآلام نحن لا نستحقها ، فالقتل بدم بارد وبأياد مستهترة ونفوس لا تستمع إلا لغوغاء نفوسها وضجيج عجرفتها وهذا مما يرضي غرورها ،فتوقع الألم والحزن وتقتل الأبرياء الذين لا حول لهم سوى أنهم يعيشون ضمن منظومة اجتماعية لا تتعض من هول الأحداث وتحاول دوما أن تجد المبررات وأن تأخذ بالتعليل الواهي بأن هذا هو قدرهم ونصيبهم ، ونحن هنا لسنا بصدد أن نحلل أو نحرم تلك الأقوال ، بل أن نسمو فوق التحليلات الباهتة التي تجعل من شوارعنا وأفراحنا وحاراتنا مسارح ذبح بموت ليس لشيء الا لإرضاء غرورنا وعنجهية المتمردين على القوانين والتعليمات والذين يرفضون أي محاولة للإرتقاء بهذا المجتمع من خلال الإلتفات للتعليمات والتوصيات وقبل كل ذلك تنبيه ضمائرهم التي جعلوها في خدر لا يوقظها إلا بكاء الأمهات وصرخات الأخوات وأنين الآباء وحزن المجتمعات .
بالأمس عملية دهس جماعية لمجموعة من ابناء محافظة إربد ادت لموت لعدد ممن كانوا ضحايا لسرعة متهورة في سباق لسيارات يقودها شباب من بني جلدتهم ، بينهم امهات وأطفال وشباب في عمر الورود ، أمهات تركت بيوتا حزينة وعائلات تنتظر خطوهن بعد أن كن عائدات ، ولشباب كانوا يرسمون مستقبلا ورديا في اذهانهم قبل أن تركلهم عجلات مركبة فجعلت منهم بقايا إنسان وأطفال غدرت بهم الطرقات فأحالتها لأجساد متناثرة قبل أن يرتوون من فرح الأيام .
واليوم عريس يقتل في زفة فرحه وهو يتهادى في موكب نحو حلمه حيث عروسه تنتظر كي يكونا بيتا خططا له معا ، وحيث كانا يرسمان مستقبلا مليئا بالحكايات وأصوات الأطفال وضحكات اللحظات ، لكن رصاصة طائشة وبيد صديق هو بالتأكيد لم يقصد ما حدث ربما كان يظن أن أزيز الرصاص سوف يثري ذلك الفرح ويزيده بهجة واشتعالا ، وربما كان دينا في عنقه فهي عاداتنا ومن بعض موروثنا حتى إطلاق العيارات النارية دين كما الأهازيج والغناء والزغاريد ونقوط العروسين ، لكنه لم يدرك أن هذه الرصاصة قد تحول الفرح لمأتم وتجعل من أي إنسان جثة هامدة أو يسبب له إعاقة لا تزول .
حمزة ابن معان وضحايا طريق إربد وغيرهم ممن قضوا في مثل تلك الحوادث ما هم الا شموعا انطفأت وزهرات داستها العجلات ، ووجع ترك في النفوس ألما وحسرة وبكاء ، وبيوتا كللها السواد فلماذا بتنا نستسيغ الألم ونصنعه بأيدينا ونجعله عنوان الصباحات ؟
لا مبرر لما يحدث ولا عذر لمن يستهتر ، ولا حلول إلا بتغيير المفاهيم وإعادة هيكلة بعض العادات فعلى البيوت تقع عواتق أن نحسن صنع أيدينا وأسلوب تعاملنا مع أبناءنا منذ نعومة الأظفار ، بأن نسعى دوما ونحذر ونزرع في نفوسهم ضمائر تخشى أن ن تكون سببا في أذية أو أداة قتل لمن لا ذنب لهم وعدم التهور والتعقل بالتعامل مع المعطيات ، والمسؤولية الأكبر تقع أيضا على المشرعين وواضعي القوانين والمسؤولين في وزاراتنا ودائرة السير في أن يغلظوا العقوبات وأن لا يتهاونوا في الأحكام فبعض النفوس لا يردعها سوى القانون والخوف من الجزاء الذي لا بد أن يوازي تلك الأحداث وتلك الهفوات التي باتت خطرا يداهمنا كلما سرنا في شارع أو كنا في احتفال فالحل لا بد من تسريعه وتشديد القبضة كي تسلم بلادنا والمجتمعات .