سمعتُ أبًا لخمسة أطفال يقول في منتصف الليل: والله لو تقطعت خمسين ألف قطعة لألزقك واشتري فيك فطور اليوم ..!! وعندما استكشفتُ الأمر ؛ تبيّن لي أنه يحكي مع ( دينار مقطّع ).. فقلتُ له : عسى ما شر ؛ كنّك انهبلت تحكي مع حالك ..؟؟ قال : بل أحكي مع الأخضر ..إللي مرمط حياتي و أنا قابل ..بس هو يرضى عنّي ..!! قلت له : طيّب فكرك هالدينار يكفي لفطورك أو غداك إنت وإولادك الخمسة وأمهم ..!! قال : نعمة ورضا ؛ ويزيد منّو كمان ..!! قلت : كنّو صارلك زمان ما رحت عَ السوق ..؟؟ قال : أكثر من شهرين ..!! قلتُ : أنا رفيقك إلى السوق قبل الظهر ..اتفقنا ..؟؟ قال : اتفقنا ..!!
قبل الظهر ..كنت معه وسط السوق ..ركض إلى البندورة ..قال لي : اثنين كيلو بكفي ..سأل الخضرجي عن سعر الكيلو : قال : ستين قرش ..!! اكفهر وجه صاحبنا وقال : بلاش من البندورة ..بدّي اثنين كيلو خيار ..قال الخضرجي : الكيلو بسبعين ..قال صاحبنا : بلاها السلطة ..أصلًا ما بتمسك بطن ..خلص بدّي بطاطا ..!! برضو نفس الحكاية ..بدي بيتجان ..بدي فجل ..بدي جرجير ..بدي وبدي ..!! مال صاحبنا على أقرب حيط وحط رأسه عليه وبكى قائلًا : ليش فش إشي أقدر أشتريه بالدينار إلاّ كيلو خبز و كيلو بندورة ..وإيش بدهن يكفّن عيلة من سبع تنفار ..أوآآآآآآآآه يا زمن ..!!
قال صاحبنا : يا الله نطلع من السوق ..!! قلتُ له: بدون ما تشتري شي ..؟؟ قال : السوق وإللي في السوق مش لأشكالي ..السوق للي معاه أكثر من ثلاثة دنانير خُضُرْ باليوم ..!! ومشينا ..التعب واضح على وجه صاحبنا ..كل التجار تنادي على بضاعتها ..لم يلتفت صاحبنا إلى شيء .. استوقفه فقط بيّاع أواعي البالة ..نظر إليه طويلًا ..ثمّ ابتسم ..كان بيّاع أواعي البالة يقول : أي قطعة بدينار ..!! نظر صاحبنا إلى نفسه جيدًا ..أعاد النظر أكثر من مرّة ..وبسرعة خلع قميصه و بنطلونه و كندرته ..صار بنُصْ السوق بالفانيلا و الشورت ..صاح ودموعه على خديه : قرِّب قرِّب ..آخر قميص بنص ليرة ..آخر بنطلون بنص ليرة وآخر كندرة بنص ليرة ...نادى كثيرًا ..باعهن بدينار ونصف ..!! ابتسم والدموع تملأ عينيه وقال لي : الآن صار معي ليرتين ونص ...!! وعاد إلى الخضرجي واشترى اثنين كيلو بندورة واثنين كيلو خيار واثنين كيلو خبز .. مضى بالشورت والفانيلا حافيًا يركض نحو البيت ..فقد أمّن وجبة واحدة من وجبات اليوم ..!!!