زاد الاردن الاخباري -
كتب أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية أ. د. ليث كمال نصراوين:
أثارت حادثة إطلاق العيارات النارية في أحد الأعراس في محافظة معان ووفاة العريس حالة من الاستنكار الشعبي الواسع جراء استمرار هذه الظاهرة الاجتماعية المدانة، التي يجري تناقلها عبر الأجيال دون تقديم الحلول المجتمعية والقانونية الكافية للتصدي لها.
وقد أحسن المشرع الأردني في التعامل جزئيا مع هذا السلوك الجرمي من خلال تشديد العقوبة المقررة على هذا الفعل، حيث جرى إضافة المادة (330) مكررة إلى قانون العقوبات في عام 2017، والتي تعاقب كل من يطلق عيارا ناريا دون داع ويؤدي إلى وفاة إنسان بالأشغال المؤقتة مدة لا تقل عن عشر سنوات، على أن تُضاعف هذه العقوبة في حال التكرار أو تعدد المجني عليهم.
إلا أن هذه الحماية القانونية ضد إطلاق العيارات النارية تبقى قاصرة في ظل عدم الإلتفات إلى التشريع الأساسي، وهو قانون الأسلحة والذخائر رقم (34) لسنة 1952. فعلى الرغم من التعديلات المتكررة على نصوصه وأحكامه إلا أن جميعها لم تعالج المشكلات القانونية الواردة فيه.
فهذا القانون - الذي مر على صدوره أكثر من (71) عاما - ينطلق من قاعدة أساسية مفادها جواز اقتناء الأسلحة النارية وحملها بعد الحصول على التراخيص اللازمة لذلك، حيث أجازت الفقرة (أ) من المادة (3) منه "لجميع الأهالي في المملكة أن يحتفظوا في منازلهم وأمكان إقامتهم بالبنادق والمسدسات اللازمة لاستعمالهم الذاتي فقط مع كمية من العتاد المخصص لذلك السلاح بالقدر الضروري للدفاع عن النفس".
كما سمحت الفقرة (ب) من المادة ذاتها لمن بحوزته ترخيص اقتناء السلاح أن يحمل هذا السلاح خارج المناطق المحددة بالقانون، والتي تشمل مراكز المحافظات والألوية ومديريات القضاء والنواحي والمخافر ومراكز البلديات، دون الحاجة لترخيص بحمله.
ولا يقتصر الأمر على الترخيص باقتناء وحمل الأسلحة العادية، بل يجيز القانون الحالي حمل الأسلحة الأوتوماتيكية بعد الحصول على الترخيص بذلك، حيث حدد نظام الأسلحة والذخائر رقم (75) لسنة 2000 رسوما مالية زهيدة مقابل الحصول على رخص اقتناء وحمل الأسلحة النارية، وذلك بواقع خمسة دنانير فقط تدفع لمرة واحدة عن رخصة اقتناء السلاح، ومائتين وخمسين دينار رسوما سنوية على كل رخصة حمل سلاح.
وتبقى المشكلة الأكبر في قانون الأسلحة والذخائر ما جاء في المادة (4/ب) منه التي "تحظر حمل الأسلحة النارية المرخصة أثناء الاحتفالات الرسمية والحفلات العامة والمؤتمرات والاجتماعات ومواكب الأعراس والجنازات أو أي اجتماع آخر يزيد عدد المجتمعين فيه على عشرة أشخاص".
فمن خلال إعمال مفهوم المخالفة في التفسير القانوني، فإن أي اجتماع يكون حاضرا فيه عشرة أشخاص أو أقل فإنه يجوز حمل السلاح المرخص أثناء انعقاده؛ وهو الأمر الذي يشكل عوارا تشريعيا لا يمكن السكوت عنه.
كما تكمن مشكلة قانون الأسلحة والذخائر النافذ في غياب التطبيق الفعلي لبعض نصوصه وأحكامه، حيث تعتبر المادة (6) منه رخصة اقتناء السلاح وحمله شخصية، وأنها تنتهي بوفاة صاحبها ويتعين على الورثة تعديل أوضاعهم خلال ثلاثة أشهر من تاريخ الوفاة.
فهذا الحكم القانوني لا نجد له تفعيلا حقيقيا على أرض الواقع؛ فالجزء الأكبر من الأسلحة المنتشرة بين الأردنيين قد جرى توريثها لهم، دون أن يتم تعديل التراخيص الممنوحة لها، مما ساهم في زيادة عدد الأسلحة غير المرخصة في الأردن.
إن الأساس التشريعي في التعامل مع الأسلحة والذخائر يجب أن يكون حظر الترخيص بحملها كقاعدة عامة، مع تقرير استثناءات معينة لأشخاص مدنيين يجوز أن يحملوا السلاح، كالعاملين في شركات الحماية والحراسة الخاصة، وأن يقتصر الترخيص على السلاح العادي دون الأوتوماتيكي.
وعليه، فإن الحاجة ماسة اليوم لتعديل قانون الأسلحة والذخائر النافذ، أو حتى إصدار قانون جديد، يكرس النهج التشريعي القديم الذي كان معمولا به في إمارة شرق الأردن، حيث كان هناك قانونا يسمى قانون منع حمل السلاح لعام 1924، والذي كان يحظر في المادة الأولى حمل الأسلحة النارية داخل القصبات التي يوحد بها حكومة إلا للأشخاص المسموح لهم بحمل السلاح قانونا.
كما يجب تضمين القانون الناظم للأسلحة والذخائر حكما تشريعيا مفاده عدم جواز الأخذ بالأسباب المخففة التقديرية في حال إطلاق عيارات نارية أدت إلى وفاة أحد الأشخاص، وذلك أسوة بالحكم المستحدث في قانون السير المعدل لعام 2023 الذي يحظر على المحكمة الأخذ بإسقاط الحق الشخصي إذا كان المتسبب بالحادث تحت تأثير المشروبات الكحولية أو المخدرات.
لقد سبق للجنة القانونية في مجلس الأعيان أن صوتت بالإجماع في عام 2022 على مقترح تعديل قانون الأسلحة والذخائر للحد من إطلاق العيارات النارية في المناسبات الاجتماعية. كما جرى في عام 2021 نشر مسودة مشروع قانون جديد للأسلحة والذخائر على الموقع الإلكتروني لديوان التشريع والرأي، بالإضافة إلى وجود مشروع قانون معدل لعام 2016 تم إرساله إلى مجلس النواب ولم يتم التعاطي معه تشريعيا بعد.