خاص – عيسى محارب العجارمة – بالنظر للطبيعة المتغيرة للحروب الحديثة وخصوصا الصراع الروسي الاوكراني ، فأننا نستطيع سبر غور المعركة الجارية حاليا بين الأردن وقوى الشر الخفية على الجانب السوري من حدودنا الشمالية .
فمن المسلم به ان الطبيعة الأساسية للحرب لا تتغير ، الا ان الحرب كتفاعل ديناميكي بين الخصوم تتطور دائما وذلك لان الحرب في طبيعتها تظل غير عقلانية وغير مقيدة وعلى الرغم من ان قوانين القتال ثابتة فان المتحاربين في صراع كالصراع الأردني مع المليشيات التخريبية قد دخلا فيما يسمى بحرب الاستنزاف ان صح التعبير .
يستفاد من الحرب الهجينة الشرسة التي يتعرض لها الأردن على حدوده الشمالية الشرقية مع عصابات الشر الإيرانية ومرتزقتها من بعض العرب ان الأَفْعَى الّتي تَلْدَغ يجب ضرِبها على رَأْسَها بِقُوَّة .
فالحرب الهجينة يمكن تعريفها بانها شكل من اشكال الحروب التي تجمع بين التكتيكات العسكرية التقليدية والوسائل غير العسكرية مثل الهجمات الالكترونية وحملات التضليل الإعلامي والحرب السياسية والاقتصادية ودعم حركات التمرد والإرهاب .
ويبدو أن ليالي باريس الحمراء طبعت بعضاً من صخبها المجنون ومجونها الفاسق في خميني إيران، فحمل مجونه وفسقه إلى طهران فظن نفسه منتصراً على الخير والفضيلة، وهو الذي حمل إلى جانب مجونه وفسقه كِبرَ وعنجهيةَ وغُرورَ المجوس.
ولأنه كان يعيش زمناً غير زمن الأبطال، توهم خميني المجوس أنه سيحطم العرب يوم عاد حاملا معه الثورة الإيرانية التي أطاحت بالشاه وكما تفعل مليشيات الحرس الثوري مع الأردن اليوم ويقضي على حكمه الوطني الأردني والعربي عامة ، فقد عاش في وهمه سنوات أشعلت داخله حقداً أسوداً أودى به إلى التهلكة.
في أيلول بدأ الخميني حفلة مجونه البغيضة التي اعتاد عليها في باريس، وبدأ كالأفعى يلدغُ هنا وهناك، ولكن حكماء العرب قالوا: للقضاء على الأفعى اضرب رأسها بقوة!
تمادى كثيراً، وصبر العرب، طلبنا السلام فرفض، طلبنا السلام لا جبناً ولا خوفاً كما توهم خميني المجوس، بل حباً بالسلام والعرب ، وتناسى أنهم هم أحفاد أولئك الذين حطموا عرش كسرى، وقدموا تاجه لأعرابي من أهل مكة!
فهل فهم الخميني والفرس ما معنى أن يوصي الرسول صلى الله عليه وسلم لسُراقَة بتاج كسرى؟
هل فهم الفرس وخمينهم ما معنى أن ينفذ الخليفة عمر بن الخطاب وصية الرسول ويُلبس سراقة تاج كسرى؟
إن المعنى ذو دلالة واحدة، أن تاج كبيركم وعظيمكم يلبسه أعرابي من عامة القوم، فلا نهاب تيجانكم ولا كبراءكم، فقد خلقنا الله واصطفانا لنكون حملة رسالته.
لقد كان تمادي خميني الفرس يرتكز على دعم ووهم غربي أمريكي أن العرب لن يصمدوا طويلاً، وستكون نهايتهم ونظامهم سريعة جداً، هذا الدعم السراب تلاشى أمام قوة وصمود وتضحيات العراق في أروع وأنقى سفرٍ سجله التاريخ المعاصر.
ففي تصريح قديم من عام 2019 للمستشار العسكري للمرشد الأعلى الإيراني، يحيى رحيم صفوي، والذي كان قائداً للحرس الثوري الإيراني يقول فيه إنّ إيران تضع على أجندتها تسليح الضفة الغربية،.
وهناك اتهامات إسرائيل بحق إيران، سواء كانت صحيحة، أم أنها محاولة لتقديم الأردن بصورة المخترق امنيا، الذي يمكن تهريب كل شيء إليه،
فقد ساءت الأوضاع في سورية والاردن نتيجة ذلك بفوهة البركان ، خصوصا، بعد الفوضى العارمة في السويداء ودير الزور وكل الاحتمالات بامتدادها الى درعا ومناطق ثانية .
والاردن يخشى تدفق موجات لجوء جديدة من الأشقاء السوريين الى الأردن من السويداء ودير الزور ودرعا، فوق ما في الأردن من كتلة سورية تجبرها الظروف على البقاء هنا، مع استحالات العودة الطوعية او غير الطوعية، خصوصا، حين يرى السوريون في الأردن، تجدد الفوضى في بلادهم .
وجدير بالذكر انه ليس من مصلحة الأردن التدخل في السويداء وتحريك المظاهرات فيها، مثلما تسرب مصادر سورية كلاما حول ان الأردن وإسرائيل هما من يحركان الفوضى من جديد من خلال شبكات قبلية، وأمنية تابعة للأردن، وهذا الكلام محض افتراء لكون تدخل الأردن عبر تحريك الفوضى له كلفة سيدفعها الأردن أيضا، وليس من مصلحته دفعها، ولا الاشتباك فيها.
هناك خبراء يرون أن الأردن قد يضطر للتعامل مع السيناريو الذي تجنبه طويلا واللجوء الى سيناريو المنطقة العازلة، لعدة أسباب، أولها حماية المدنيين السوريين، وثانيها تحديد حركة المقاتلين من تنظيمات سورية وإيرانية ولبنانية مختلفة، وثالثها خلق "حجاب حاجز" في وجه تهريب المخدرات والسلاح الى الأردن ودول المنطقة، ورابعها إغلاق الباب في وجه أي موجات لجوء جديدة، ويعتقد الخبراء أن سيناريو المنطقة العازلة يمكن أن يتم بقرار من الأمم المتحدة وبدعم أطراف دولية بهدف فرض الحماية والوصاية الأمنية على مساحات محددة بما يتطلب أيضا فرض حظر جوي ، ووجود قوات على الأرض ، كما أن هكذا سيناريو تجنبه الأردن طويلا سيكون بحاجة الى تمويل مالي مرتفع جدا يقدر بالمليارات، إضافة الى وجود شراكة دولية في تنفيذه، بحيث لا يكون أردنياً فقط، خصوصا، إذا تمت تغطيته بقرار دولي تم التوافق عليه، مع الاشارة الى اعتراضات الروس والصين المؤكدة هنا، دون ان ننسى ان عقيدة الأردن العسكرية والسياسية تقوم على أساس عدم التدخل في دول الجوار، مما يعقد مبدأ الاضطرار الى هذا السيناريو حتى الآن، نظرا لكلفه المتعددة، وغير المضمونة في بعضها.
ونفس الخبراء يشيروا الى ان خاصرة الأردن الشمالية مهددة بطريقة غير مسبوقة، خصوصا، بعد انفجار الفوضى في السويداء التي لها ثوراتها التاريخية بين الدروز تحديدا، وما يجري في دير الزور القريبة من الأردن والمجاورة للعراق والحرب الأهلية بين العشائر العربية والأكراد وقوات سورية الديموقراطية المدعومة أميركياً، واحتمالات عودة داعش الى كل تلك المنطقة، والكل يعرف أن تجار المخدرات وشبكاتهم في الجنوب السوري على صلة بمشاريع سياسية وأمنية تتجاوز تجارتهم.
فالذين يقولون ان الأردن متورط في أحداث السويداء وغيرها لا يدققون أصلا في أمرين أولهما مبادرة الأردن من خلال اتفاق عمّان عام 2017 لوقف إطلاق النار بشراكة الأميركيين والروس، وتم تنفيذه في السويداء والقنيطرة ودرعا، وما نجم عنه من القاء السلاح من جانب البعض، ومغادرة بعض المقاتلين وتنظيماتهم الى مناطق ثانية، بما يعزز حاجة الأردن لوقف الفوضى قرب حدوده الشمالية، وليس إشعالها من جديد قرب حدوده.
وثانيهما أن الأردن حاول مباشرة ومن خلال تحالف عربي استرداد العلاقات مع دمشق الرسمية، خلال الفترة الماضية واستضاف اجتماعات هنا، واستقبلت عمان ودمشق مسؤولين من البلدين، وتم عقد اجتماعات حساسة على مستويات محددة، بما يعني أن الأردن يريد اطفاء نار الفوضى في سورية، بما تعنيه أيضا على صعيد المخدرات والسلاح، والمخاوف من موجات لجوء جديدة للمدنيين الى أراضيه، وسط تقديرات مختلفة لكل المشهد.
تقسيم سورية، بات للأسف واقعا، فالنفوذ في سورية مقسم بين روسيا، ومناطق إيران، ومناطق تركيا، ومناطق أميركا، ومناطق المخدرات، ومناطق داعش، ومناطق التنظيمات الكردية، ومناطق الدروز، ومناطق العلويين، ومناطق تلعب فيها إسرائيل، في ظل ازمة اقتصادية، وكأننا امام بلد مقسم فعليا على صعيد خرائط النفوذ، وان لم يتحول التقسيم الى واقع جغرافي مغطى بقرارات دولية. كما اسلف بذلك الكاتب ماهر ابو طير .
الأردن محاط بالحرائق في كل جواره، فإن لم تصلنا النار، وصلتنا الأدخنة، والأزمة السورية تجددت بشكل أسوأ قد يقودنا الى كل الاحتمالات خلال الفترة المقبلة.
تجنب الأردن حتى الآن فرض منطقة عازلة بينه وبين سورية، لاعتبارات كثيرة أبرزها عدم التدخل العسكري البري في سورية، وثانيها عدم مس سيادة الدولة السورية، وثالثها انتظار الحلول من جانب دمشق الرسمية إزاء قضايا عديدة.
يبدو ان النظام في سوريا يستخدم الحروب الهجينة ضد الأردن مع افلات نسبي من العقاب وعليه فأن القادم خطير لكلا الطرفين ان لم تعود دمشق عن غيها .