زاد الاردن الاخباري -
"لم أعد أطيق تلك النظرة التي يرمقني بها كثير من الناس، وأنا عائدة إلى المنزل بعد انتهاء عملي في ساعة متأخرة من الليل"، هذا ما تقوله الثلاثينية نادية، التي تعمل في محل للألبسة وتقتضي طبيعة عملها البقاء منذ التاسعة صباحا وحتى العاشرة مساء.
نادية، التي عملت في أكثر من محل لبيع الملابس، رغم معارضة الأهل الطويلة في بادئ الأمر، تقول "مجتمعنا لا يرحم وتلحق بنا بسبب ظروف عملنا الكثير من نظرات الريبة والشك".
عمل الفتيات في محلات بيع الألبسة وغيرها حتى أوقات متأخرة من الليل، يواجه بأحكام مختلفة من قبل مجتمعنا، فهناك من يطاردهن بنظرة ملؤها الشك والريبة، مما يعزز تردد بعض الشباب في الارتباط بهن، في المقابل يقدر آخرون ظروف هؤلاء الفتيات وأوضاعهن الاقتصادية والأحوال الصعبة التي يعشنها، ما يضطرهن إلى العمل في مثل هذه المهن حتى ساعات متأخرة.
عبير (27 عاما) واحدة من فتيات كثيرات أجبرتها الظروف المعيشية الصعبة على العمل في محال بيع الملابس منذ ما يقارب السبعة أعوام، إذ يبدأ دوامها من التاسعة صباحاً، ويستمر حتى العاشرة مساء، فضلا عن ساعات العمل الإضافية في فترة الأعياد، والتي تتطلب العمل الى ما بعد الثانية عشرة ليلا.
ورغم الجهد والتعب اليومي اللذين تعاني منهما عبير في عملها، إلا أنها تشكو من نظرة المجتمع السلبية لها ولمثيلاتها "كثيرة هي المسميات المسيئة التي يطلقها علينا عديدون، والتي التصقت بنا ويصعب طمسها".
وتحيل عبير سبب نظرة المجتمع السلبية إلى "اختلاط العاملات بالشباب الذين يعملون معهن في المكان نفسه حتى ساعات متأخرة".
وبعبارات يغلفها الحزن والأسى، تقول "كلنا بنات عالم وناس، ولولا الحاجة لما طرقنا باب هذه المهنة".
ذكورية المجتمع هي السبب وراء تكريس النظرة السلبية لهؤلاء الفتيات، وفق اختصاصي الإرشاد الأسري أحمد عبدالله، الذي يؤكد ضرورة أن يتفهم الشباب بأن أية مهنة لها إيجابياتها وسلبياتها، وكلاهما غير مرتبط بتوقيت وساعات الدوام وطبيعة المهنة، وخصوصاً أن جميع المهن بها اختلاط.
حال عبير لا تختلف كثيرا عن منال، فعملها حتى ساعات متأخرة وقف عائقا أمام زواجها من الشاب الذي أحبته أربعة أعوام "بعد أعوام الحب الطويلة التي جمعتنا، جاء ليخطبني وعندما علم والداه بطبيعة عملي، رفضاني رفضاً قاطعاً، فضلا عن أنهما قاما بتهديد ابنهما بالتبري منه في حال ارتبط بي".
وتستغرب منال من الأشخاص الذين يرفضون عمل الفتاة، مبينة أن المرأة العاملة في أي وظيفة كانت قد تتعرض لمواقف محرجة أو مضايقات، غير أن الفتاة تفرض احترامها وهيبتها في أي مكان تعمل فيه وتحد من التصرفات التي قد تسيء لها أو تخدش سمعتها.
ويتفق عبدالله مع الرأي السابق، إذ يرى أن هناك مسؤولية على الفتاة نفسها التي تعمل في أية وظيفة كانت، ومن الضروري أن تكون "محافظة على نفسها ضمن بيئة العمل ككل"، لافتا إلى أهمية أن يتمتع الشاب بالوعي الكبير فيما يخص عمل الفتاة حتى ساعات متأخرة وأن يأخذ بعين الاعتبار الأسباب التي قادتها إلى ذلك.
ولأن المنظومة الاجتماعية والموروثات الاجتماعية ترفع من قيمة الذكر، فإن هناك محاذير كبيرة تقف عائقا أمام الفتاة عند خروجها للعمل حتى ساعات متأخرة، كما يقول اختصاصي علم الاجتماع د. منير كرادشة، مبينا أن ذلك "لا يتماشى مع مجتمعنا، وبالتالي تنظر إليها نظرة فيها الكثير من الريبة والشك".
وفي الإطار نفسه، يرفض اسماعيل (29 عاما) رفضاً قاطعاً الارتباط بفتاة تعمل في محل تجاري لساعات متأخرة، خصوصا أنها تخالط عددا من الشباب في نفس المكان، "هذه بيئة غير مناسبة للفتاة، ولا بد أن تتأثر بهذه الأجواء حتى وإن كانت تتمتع بقدر عال من الاخلاق".
ويضيف "الأصل هو جلوس الفتاة في المنزل، إلا أن التطور المجتمعي جعل عمل الفتاة منتشرا بشدة"، موضحا أنه لا ضير في ذلك، لكن مع "اختيار أنواع العمل التي تناسب أنوثتها وتتفق مع عادات وتقاليد المجتمع والدين".
ولا ضرر من أن تجنب الفتاة نفسها من العمل في المهنة التي تتطلب ساعات عمل طويلة إذا كانت غير مضطرة ماديا له، وفق عبدالله، أما في حال احتاجت لهذا العمل، فعلى الأهل مساعدة بناتهن لمواجهة التحديات المالية.
ويرى كرادشة أن نظرة المجتمع تتعارض مع طبيعة العمل لساعات متأخرة، لافتا الى أن "مجتمعنا يعتبر هذا الأمر خدشا لسمعة العائلة، وينظر إلى الفتاة بكثير من الخوف والقلق".
ورغم الخبرة الطويلة التي استمدتها ناديا من عملها في محال بيع الألبسة، إلا أنها اضطرت لتركه بعد أن اشترط عليها خطيبها ذلك لإتمام زواجهما، مبينة أن هناك شخصا أصبح مسؤولا عنها ويستطيع أن يوفر لها احتياجاتها، ولم تعد بحاجة إلى المال الذي كان يضطرها للعمل ساعات طويلة.
وفي الوقت الذي تعتبر فيه الأوضاع الاقتصادية من أهم العوامل وراء انخراط الفتيات في سوق العمل، يرى الخبير الاقتصادي حسام عايش أن مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية ما تزال "أقل من مستوى الطموح، حيث تبلغ نسبة مشاركتها 14%".
غير أنه يؤكد أن "القيود الاجتماعية والاخلاقية التي تقف عقبة أمام عمل الفتاة، أصبحت تتراجع شيئا فشيئا"، مبينا أن طبيعة المهن الجديدة تتطلب فتيات بأعمار معينة.
كرادشة يؤكد أن هناك ظلما مجتمعيا يقع على عاتق الفتاة، ويرى بأنه لا يوجد تقدير للظروف الصعبة والحاجة التي اضطرت الفتاة للعمل، مضيفا "هناك نظرة ظالمة وخالية من الاحتكام للعقل والضمير".
ويتابع كرادشة بأن الفتاة التي تدخل سوق العمل تعد فتاة مستقلة وعصامية وذات خبرة واسعة وناضجة ومستقلة ماديا، وبالتالي فإن ذلك سينعكس على حياتها الزوجية بعد ذلك، مشيرا إلى أن الشاب سيجد فرقا كبيرا بين التعامل مع زوجة تابعة وزوجة تملك شخصية مستقلة تساعد في مساندته مستقبلا.
ويرى عايش أن الأوضاع الاقتصادية وتغير الثقافة العامة من الأسباب التي حسنت من فرص عمل الفتيات، لافتا إلى أن المرأة بمركزها ودرجتها العلمية، باتت قادرة على العمل بوظائف كانت حكراً على الرجال فقط، وتقديمها بطريقة أفضل.
ويشير إلى أن الفتاة باتت قادرة على العمل في المولات والبقاء لساعات متأخرة في المساء من دون أية مشاكل تعترضها، لافتا إلى رغبة الفتاة في الحصول على مردود مادي كاف يشعرها بالاستقلالية.
الغد