زاد الاردن الاخباري -
بنسبة تمثل نحو خمسة في المئة من عدد السكان وبعدد يزيد على نصف مليون نسمة، يعيش معظم كبار السن بالأردن “في طي النسيان” تتنازعهم مشكلات صحية واقتصادية في ظل غياب منظومة اجتماعية لحمايتهم على أكمل وجه.
وحتى عام 2030 يتوقع أن تزيد نسبة المسنين في الأردن إلى 15 في المئة من إجمالي السكان، وفقاً لبيانات دائرة الإحصاءات العامة بالبلاد، فيما يلقي مراقبون باللائمة حول مشكلات المسنين على التحولات الاجتماعية التي طرأت على نظام الأسر وأنماطها، إذ تلاشت الأسر الممتدة التي كانت تعيش معاً ضمن مسكن واحد، وتقلصت لصالح الأسر التي تشمل الأبوين وأطفالهما فقط.
خدمات لا تكفي
يتقلب معظم المسنين في الأردن اليوم ما بين الأمراض المزمنة والعزلة الاجتماعية وفقدان الأمان والفقر، على رغم عديد من البرامج والخدمات التي تقدمها الحكومة الأردنية والتي كان آخرها خدمة توصيل الأدوية المزمنة إلى المنازل عبر البريد من دون الحاجة إلى تكبد عناء مراجعة المستشفيات والمراكز الصحية وبشكل دوري مرهق.
تقول الحكومة الأردنية إنها أولت المسنين عناية كبيرة من خلال تشريعات عدة تنص على حقوق كبار السن وواجبات الدولة تجاههم، إضافة إلى الاستراتيجية الوطنية لكبار السن عام 2012، وإطلاق برنامج حماية كبار السن عام 2021، ضمن فلسفة تقوم على حماية ورعاية الفئات الهشة والضعيفة في البلاد.
لكن على رغم ذلك لا تزال هناك عديد من التحديات التي تواجه هذه الفئة بسبب نقص الموارد المالية والكوادر المؤهلة والافتقار إلى التوعية بحقوقهم، وسط دعوات إلى إضافة نصوص قانونية لمساءلة الأبناء المقصرين بحقوق آبائهم.
نظرة اجتماعية سلبية
من بين الجهات الرسمية التي تشخص حال المسنين في الأردن “المجلس الأعلى للسكان”، الذي يرى ضرورة المساواة بين الفئات العمرية في البلاد وعدم تركيز الاهتمام فقط على فئة الشباب، داعياً إلى إنهاء التفاوت والتهميش وتغيير النظرة الاجتماعية السلبية للشيخوخة.
يقول الأمين العام للمجلس الأعلى للسكان عيسى مصاروة إن عدد المسنين 60 سنة وأكثر يبلغ 615 ألفاً وبنسبة 5.5 في المئة، أما المسنون الذين أعمارهم تزيد على 65 سنة فيبلغ عددهم 417 ألفاً، موضحاً أن العمر المتوقع للأردنيين يصل إلى 73.3 سنة للذكور و75.1 سنة للإناث.
ويتمسك المجلس بضرورة تمكين المسنين ومشاركتهم في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويرصد زيادة لافتة لفئة كبار السن (65 سنة فأكثر) في الأردن منذ عام 2015، مما يعني ارتفاع معدلات الإعالة، وزيادة الأعباء على الخدمات الصحية. ولذلك يطالب المجلس الحكومة الأردنية بتبني سياسات تحسن من واقع الخدمات الصحية والاجتماعية والتأمينات والتنمية الاجتماعية لهم.
وصمة عار
إلى عهد قريب كانت فكرة إقامة كبار السن في دور خاصة للإيواء غير مقبولة اجتماعياً بخاصة في الأرياف، لأنها مخالفة للعادات والتقاليد وينظر إليها على أنها وصمة عار، أما اليوم فتتوزع نحو تسع دور لرعاية المسنين على المحافظات في الأردن.
يتحدث مساعد الأمين العام لوزارة لتنمية الاجتماعية عامر حياصات عن نظام لرعاية المسنين يقوم على رعايتهم داخل منازلهم وضمن أسرهم الطبيعية بعيداً من الرعاية المؤسسية، إذ تم تخصيص حساب مالي للرعاية المنزلية وتقديم المساعدات العينية والطبية.
ويقول حياصات إن وزارته تقدم الرعاية للمسنين للذكور بالفئات العمرية 60 سنة فما فوق وللإناث 55 سنة فما فوق ممن لا يجدون من يرعاهم وعلى نفقتها الخاصة، من خلال تعاقدها مع مؤسسات مجتمع مدني لديها دور إيواء وبعدد يصل إلى 400 مسن.
ويضيف “لدينا تعليمات لترخيص دور الإيواء ومعايير صارمة وثمة نظام مراقبة إلكتروني لمتابعة ما يحدث لضمان عدم المساس أو الإساءة للمسنين، فضلاً عن فرق مدربة تنفذ زيارات ميدانية للاطلاع على واقع هذه الدور”.
من ناحية مالية يتحدث حياصات عن تخصيص رواتب شهرية من صندوق المعونة الوطنية لـ25 ألف أسرة ترعى مسنين لديها داخل منازلها، وبواقع 33 مليون دولار.
عنف وأمية
يشير المجلس الوطني لشؤون الأسرة إلى تسجيل نحو 800 حادثة عنف أسري ضد المسنين في العام الماضي، وسط تحديات كثيرة تواجههم من أبرزها ضعف الرعاية المقدمة لهم والفقر وضعف الحماية الاجتماعية، وصعوبة وصولهم لمراكز تقديم الخدمات الصحية، كما أن هناك نقصاً في أعداد المتخصصين في أمراض الشيخوخة، إلى جانب قلة المعاشات التقاعدية والتي تحرم هذه الفئة من العيش الكريم.
وفقاً لأمين عام المجلس محمد مقدادي، فإن واقع كبار السن في الأردن ليس إيجابياً تماماً، إذ تبلغ نسبة الأمية بينهم 34 في المئة، فيما تحتل الأمراض المزمنة أجسادهم وبنسبة 86 في المئة.
وتقف التكنولوجيا الحديثة عائقاً أمام كثير من المسنين لبدء يومهم بشكل طبيعي، إذ يعجز كثير منهم عن التعامل مع الخدمات الرقمية التي تتطلبها الحياة اليومية كالبنوك، وتقديم الطلبات بشكل إلكتروني، بخاصة مع التحول الرقمي الذي تشهده البلاد.
يقول مسنون أردنيون إنهم يقفون حائرين أمام تحول كثير من الخدمات إلى إلكترونية، كدفع الفواتير ومراجعة المراكز الصحية والمعاملات البنكية. ويفضل معظمهم الانزواء في منزله، فيما يحاول آخرون الحصول على المساعدة.
لكن للتكنولوجيا قصة أخرى مع المسنين في الأردن فبفضلها أصبحت جودة الحياة أفضل وأطول، وأصبح تقديم الرعاية الصحية والنفسية للمسنين أكثر سهولة من أي وقت مضى كخدمات الاستجابة للطوارئ والمساعدة الدوائية والتفاعل والتواصل الاجتماعي.