زاد الاردن الاخباري -
لا مصلحة لأحد في تعطّل أداء قطاع الاتصالات الأردني، أو حتى أن تثار المشاكل في وجهه، فحساب الأرباح والخسائر يؤكد أهمية ديمومة الأداء ونماء القطاع واستثماراته، ونجاح الشركات العاملة فيه.
ففي الوقت الذي تسابق الدول النامية والكبرى الزمن على الاستثمار في قطاعات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وتمهيد الطريق أمام الشركات الكبرى والناشئة والرياديين على حد سواء وتمكينهم لغايات الانتقال من الثورة الصناعية الرابعة إلى الخامسة، تتداول الأخبار عن توجه الحكومة لتحويل شركات الاتصالات للمدعي العام إذا لم تتراجع عن رفع الأسعار.
لكن المتتبع للبيانات والمؤشرات الصادرة سواء من هيئة تنظيم قطاع الاتصالات أو من المؤسسات الدولية يرى أن أوضاع القطاع تحتاج لمزيد من الدعم للحفاظ على ريادتها، والتي يدل عليها مؤشرات جودة وأسعار خدمات الاتصالات الصوتية الثابتة والمتنقلة، وانتشار وسرعات وأسعار خدمات الإنترنت.
على مدار عقد مضى لم تشهد أسعار الاتصالات في الأردن ارتفاعات أو قفزات كما يتخيل للبعض، بل على العكس تماماً شهدت على فترات انخفاضاً واضحاً نتيجة البيئة التنافسية العالية في القطاع.
وخلال الأشهر الماضية نشطت شركات الاتصالات في مجال الاستثمار في خدمات الجيل الخامس ذو الأهمية العالية لمستقبل الاقتصاد الوطني، ودفعها لتكاليف إطلاق هذه الخدمات والحيازة على رخصها والاستثمار في بنيتها التحتية بمئات الملايين من الدنانير.
تعد خدمات الجيل الخامس، حجر الزاوية في عملية التحوّل الرقمي وتنافسية قطاع تكنولوجيا وحلول المعلومات، وتعود بالنفع على الاقتصاد الوطني سواء برفع إنتاجيته، أو توفير فرص العمل النوعية وتعزيز الصادرات ذات القيمة المضافة، فضلاً عن ارتباطها بحلول الأعمال عالية القيمة والمجتمعات والمدن الذكية، وهو ما يعزز قدرة الاردن على استقطاب الاستثمارات، في بلد نفخر بإمكانيات شبابه وريادتهم الكنولوجية.
نعم، نحن مع دفع قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلى الأمام، بتوفير حوافز الاستثمار، والبيئة التنظيمية والتشريعات المستقرة، ودعم التنافسية، لأننا نؤمن بأنه سيرسم مستقبل الاقتصاد الأردني، ويوفر فرص العمل ويحتضن مئات الآلاف من الكفاءات التقنية عالية المستوى.
ولنا في تجارب السنين الكثير، فلطالما ظل قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأردني، محطّ اهتمام عالمي وإقليمي نظراً لريادته وقدراته وهو ما يفسر استقطابه لمجموعة من كبار العاملين في هذه "الصناعة" مثل مجموعة زين الكويتية وبيون البحرينية وأورانج العالمية.
لقد أثبتت تجربة السنوات الماضية أن هذا القطاع صورة مشرقة للاقتصاد الأردني، ورافداً حقيقياً له وللمالية العامة وما زال ينمو عاماً بعد آخر، رغم التحديات التي تقف في وجهه وليس أدل على ذلك تراجع أرباح الشركات العاملة فيه بنسبة النصف تقريباً على مدار السنوات العشر الأخيرة، مقابل تنامي الإيرادات الحكومية من القطاع إذ يصل ما تتقاضاه الحكومة إلى 70 قرشاً عن كل دينار يدفعه المشترك لشركات الاتصالات لقاء الخدمات، وهو ما يضع الأردن في المراتب الثلاث الأولى في مؤشر أعلى نسبة ضريبة على قطاع الاتصالات.
مقابل ذلك كله، يتمتع المستهلكون في الأردن بلوائح أسعار خدمات تعدّ من الأرخص على مستوى المنطقة والعالم سواء لخدمات الانترنت أو الاتصال الصوتي الثابت والمتنقل.
ولا يخفى على الجميع الدعم الذي تقدمه شركات الاتصالات الكبرى لمشاريع التنمية في المملكة، ونشاطها الملحوظ على صعيد طرح المبادرات والبرامج في مجال المسؤولية الاجتماعية، فضلاً عن تشغيلها لحوالي 20 ألف عامل في القطاع وتصديرها لقوى بشرية متخصصة في مختلف مجالات التكنولوجيا المتخصصة.
ووسط هذه الظروف، استطاعت الشركات العاملة في قطاع الاتصالات الحفاظ على استدامتها رغم الارتفاع المتواصل في التكاليف التشغيلية والرأسمالية، في وقت طالت الموجة التضخمية العالمية كل شيء وحدّت من الهوامش الربحية للشركات، والتطورات غير المواتية على صعيد الاقتصاد العالمي وتداعيات ذلك محلياً، وهو أمر لم ينعكس على شكل زيادة في الأسعار، بل على العكس سجلت تراجعاً ملحوظاً نتيجة العروض الجاذبة والتنافسية العالية.
كما حافظ القطاع على جودته، مع حصول شركات الاتصالات على المركز الرابع عربياً و42 عالمياً على صعيد سرعة الإنترنت الخاصة بخدمات الإنترنت الثابتة، التي تضم عدة أنواع من خدمات الإنترنت الثابتة والفايبر والإنترنت عريض النطاق الثابت FBWA وADSL ، وفقاً لتقارير هيئة تنظيم قطاع الاتصالات المستندة إلى مؤشرات OOKLAالعالمية.
وتجربة الأردن في مجال الاتصالات منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي وحتى الآن، تظهر الدور الرائد لقطاع الاتصالات والشركات الكبرى العاملة فيه، ما يؤكد على أهمية ديمومة ريادة قطاع الاتصالات واستقراره وتنافسيته وسن التشريعات الجاذبة لعمل الشركات وهو ما لا تتوقف نتائجه عند إيرادات حكومية بلغت الملياري دينار منذ تأسيس هيئة تنظيم قطاع الاتصالات وحتى نهاية العام الماضي، وإنما مؤشر على مورد حقيقي ومستدام رافد للمالية العامة لسنوات وعقود مقبلة.
إن المستقبل لا يتوقف على أحد، و"الرقمنة" طريق اختطه الأردن لمزيد من الانتعاش والتطور، وإلا فكيف لنا سد الفجوة الرقمية، والاستعداد لوظائف المستقبل في عالم يعج بالابتكارات والتطبيقات التي يطرحها الذكاء الصناعي والإمكانيات التي يتيحها إنترنت الأشياء والجيل الخامس.
قبل 15 شهراً أطلق جلالة الملك المعظم، رؤية التحديث الاقتصادي التي ستنفذ على مدى 10 سنوات وتتضمن 366 مبادرة في مختلف القطاعات، ولا جدال بأن نسبة كبيرة من هذه المبادرات إما انها تتعلق بخدمات الاتصالات والتكنولوجيا بشكل مباشر أو تتأثر بهذه الخدمات بشكل غير مباشر ومن هنا تنبع الدعوة إلى ضرورة المضي للأمام في قطاع الاتصالات، بشركات مستقرة تعمل وتوظّف الكفاءات، وتربح، وتستثمر، وتنقل التكنولوجيا، وتدرّ العوائد، وتدفع الرسوم والضرائب، وتحتضن الابتكار والريادة، وتتحمل مسؤولياتها الاجتماعية، وتلبي احتياجات الجميع بكلفة معقولة وجودة عالية.