زاد الاردن الاخباري -
بسام بدارين - يمكن القول بأن حالة الترقب والحياد والانتظار التي دخلت فيها الأجواء السياسية في الأردن بعد مرور قانون الجرائم الإلكترونية الجديد بمراحله الدستورية وبدء سريان تنفيذه، أصبحت واضحة للعيان ولا يمكن إنكارها، بدلالة أن النخبة السياسية المنشغلة بملف الإصلاح السياسي أو تحديث المنظومة السياسية تنتظر إشارات ما على إكمال مشروع التحديث، وتنتظر اختبار تأثيرات بعض التشريعات على انشغال أو اهتمام الشارع الأردني بالعمل الحزبي، حيث تكرس العمل الحزبي عبر قانون الأحزاب الجديد، وطولب المواطنون عشرات المرات بالانضمام إلى العمل الحزبي وترك عملية النقد من خارج المجتمع الحزبي أو المدني.
لكن سياسيين كباراً وأصحاب رأي مستقل أو معارضين، تجاهلوا كل هذه الإرشادات وسط استمرار عملية التشكيك بوجود إصلاح حقيقي على الصعيد الداخلي. ورغم أن التجاذبات ظهرت مؤخراً على صعيد مربع التحديث الاقتصادي وسط النخبة التكنوقراطية الاقتصادية، فإن حالة الهجوم بانتظار الحصول على تحولات ما يمكن رصدها ببساطة داخل وفي عمق الأوساط السياسية وحتى في عمق التراكيب والشرائح الاجتماعية عندما يتعلق الأمر بتحديث المسارات السياسية، ومستقبل العمل الحزبي حيث يتزاحم نحو 27 حزباً على الأقل الآن في الساحة بسلسلة نشطة جداً من الفعاليات الاجتماعية عشية تحضير الجميع لانتخابات البرلمانية المقررة عام 2024.
العودة إلى الصيغة التي سماها يوماً السياسي المخضرم طاهر المصري بغياب اليقين وحالة الوجوم والترقب وضعف هوامش المبادرة والمناورة في المربع السياسي، كلها عناصر يصعب إخفاؤها أو إنكارها في المشهد السياسي الداخلي الآن. لكنها عناصر أعقبت مفاجأة غير سارة تجلت بإصدار قانون الجرائم الإلكترونية الجديد.
وهو تشريع أصرت قوى صناعة القرار على إكمال مشواره الدستوري، وقالت إن الهدف منه تنظيم الفوضى الرقمية وحماية الأفراد والدولة من الاعتداءات والفبركات التي تمارس عبر منصات التواصل الاجتماعي.
القانون بعد سريانه حقق معدلات “ردع” لا يستهان بها، برأي السياسي الإسلامي رامي العياصرة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالسلبية أو العبارات الخشنة، لكن لا يوجد ضمانات بأن لا يحمل نمو الردع معه تأثيرات سلبية على حريات التعبير أو على ممارسات النقد الإيجابي. لذلك، الاعتقاد جازم بأن هذا القانون سيتسبب بأزمة مجتمعية كما يصر مجدداً الناشط الحقوقي البارز عاصم العمري.
والاعتقاد جازم بأن هذا القانون خفف من حدة حماسة الجمهور الأردني عموماً لمسار التحديث السياسي، والاعتقاد الذي يتداوله النشطاء المدنيون بأن الإصرار على تنفيذ قانون الجرائم الإلكترونية الجديد كان بمثابة إشارة معاكسة لمسار التحديث والعمل الحزبي، وهو ما قالته عدة مرات الأمين العام لحزب العمال الدكتورة رولا الحروب محذرة من المساس به بسبب القيود التي يفرضها قانون الجرائم الإلكترونية الجديد بروح وجوهر عملية التحديث السياسي ومصداقيتها.
وأجمع حتى نخبة من الوزراء السابقين على أن هذا القانون يضيق الخناق أمام المتحمسين للتحديث والعمل الحزبي، ويتركهم أمام خيارات معقدة وصعبة، حسب الصيغة التي اختارها وزير الثقافة والشباب الأسبق الدكتور محمد أبو رمان، في إحدى المحاضرات وهو يؤشر على التداعيات السلبية الواضحة حتى الآن، حيث الأحزاب الوسطية تمارس نشاطها. لكن حالة الوجوم وسط السياسيين وقلة الحماسة للعمل الحزبي هي نتائج طبيعية مباشرة لفرض التشريع الإلكتروني الجديد.
تشريع آثار اللغط زادت المخاوف من تنفيذه بناء على سياق سياسي وأهداف سياسية بمجرد أن سجلت السلطات، بدون قصد على الأرجح، حالة الاستدعاء الأولى بموجب القانون الجديد لأحد أبرز الشخصيات الوطنية في صفوف المعارضة والحراك الشعبي. والمقصود هنا الشيخ سالم الفلاحات، الذي تقدم بإفادة لدى الإدارة المختصة بالجرائم الإلكترونية.
وتوقيت استدعاء الفلاحات رغم ارتباطه بشكوى من مواطن أثار شجون بعض الملاحظين الذين حذروا من أن القانون الجديد للجريمة الإلكترونية قد يفتح المجال أمام مضايقات بالجملة ضد أصحاب الرأي السياسي هنا وهناك.
وهو ما حصل على الأرجح عندما تقدم أحد المواطنين البسطاء بشكوى ضد الشيخ الفلاحات لأنه نشر -حسب الناشط خالد جهني- صورته مدعياً أن عملية النشر حصلت بدون إذنه المسبق.
تم توفير دليل مباشر على أن تطبيقات القانون الجديد لا تقف تأثيراتها السلبية عند حالة الوجوم والردع التي توحي بالتراجع حتى عن مشروع تحديث المنظومة السياسية، ولا تشجع الأفراد والتراكيب الاجتماعية على العمل الحزبي، بل تتعدى باتجاه توفير نصوص قانونية تسمح للمواطنين بالتراشق برفع دعاوى أو تسجيل شكاوى إلكترونية الطابع.
وهو أمر كان قد حذر منه علناً الوزير السابق أيضاً الدكتور صبري اربيحات، وهو يشير إلى أن ذلك يتطلب موارد مالية وبشرية في جهازي الأمن والقضاء. التجارب القادمة مفتوحة على احتمالات مماثلة بطبيعة الحال.
القدس العربي