زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - التوقف عند وجهة نظر اعتراضية على «الصمت والأداء» وندرة الجاهزية الحكومية شيء، والادعاء بعدم فهم أسباب ومبررات «الكمون التكتيكي» الذي دخلت فيه الاستراتيجية الأردنية شيء آخر مختلف، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بسؤال التحدي اليميني الإسرائيلي المتجدد.
أردنياً، وفي المسألة الإسرائيلية، يتصارع تياران الآن في المشهد النخبوي على الأقل… الأول يحذر من كلفة وفاتورة ومخاطر «الرهان» فقط على «الذاكرة الأمريكية» بخصوص عدم تمكين يمين إسرائيل من المساس بالمصالح الأردنية رغم أن الائتلاف اليميني يتوسع في إنتاج المشكلات على خاصرة الحدود مع المملكة.
والثاني يصر على استراتيجية يتيمة على الطاولة فيما يبدو قوامها فلسفة الكمون التكتيكي والتكيف قدر الإمكان والصبر والانتظار مع تجهيز «أوراق الضغط الرابحة» لاستعمالها في الوقت المناسب.
وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر، كان أول من حذر علناً عبر «القدس العربي» بأن مسار التكيف يصبح خطة عمل واستراتيجية وقاية فقط عندما يتعلق الأمر بـ»دولة حقيقية» وليس بمجموعة حاكمة اليوم في إسرائيل تعبر علناً عن رفضها لكيانية وهوية ووجود الأردن.
«عصابة ثالوث حاكمة»
رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب، عندما تحدث مع «القدس العربي» أيضاً تحدث عن «عصابة ثالوث حاكمة» في تل أبيب وخطرة، ولا يجدي نفعاً معها التركيز على «الدبلوماسية الخشنة».
وانطلاقاً من مثل هذا التموقع، يتحدث التيار الأول عن «كلفة باهظة للتكيف وإنكار المخاطر» كما قال عدة مرات المخضرم طاهر المصري، فيما يتطرق التيار الثاني إلى دبلوماسية «الكمون التكتيكي المنتج» التي تشكل إطاراً للدبلوماسية الدفاعية كما يسميها بعض الساسة اليوم.
في وصفة الكمون التكتيكي المعتمدة تذكير بعدة عناصر تغيب عن ذهن المتعاطين اليوم للمعلومات والتقديرات في خارطة النخبة، وأهمها قيمة «الردع الاستراتيجية» التي يحققها وجود قوات أمريكية على الأراضي الأردنية ضد أي مجازفات يمينية إسرائيلية والوزن «الأخلاقي» للدولة الأردنية في المجتمع الدولي.
بين العناصر في الخطاب الرسمي العميق أيضاً عدم وجود خيارات باستثناء «البقاء» في أقرب مكان للأمريكيين على أساس الاقتناع بما يردده في كل المجالسات الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعنوان «إسرائيل قرار أمريكي». وفي الأثناء، ثمة عناصر إضافية منتجة للكمون تنتظر «سقوط حكومة نتنياهو» داخلياً بعد «التضييق الدولي» عليها.
في شرح فلسفة الكمون التكتيكي أيضاً عبارات هنا وهناك عن «قابلية أردنية» لتغيير المعادلة إذا ما أخفقت مؤسسات العمق الإسرائيلي «الهياكل الأمنية والعسكرية» في احتواء حكومة اليمين، خصوصاً في القدس مع تيارات المقاومة على أساس التريث بصيغة أن «الصبر الآن أفضل من المغامرة».
وبالتوازي أحاديث عن «عاصفة» ما يمكنها أن تلحق بأي «كمون سلبي» وتركيزعلى أن الوقت الآن مرحلياً هو العنصر الأساسي في توقيت «وقف زحف» موتوري اليمين الآن، والمطلوب مراقبة الشارع الإسرائيلي لأنه «قد يتكفل بمهمة إسقاط الائتلاف». تلك طبعاً تبقى نظرية تفسر الكمون الرسمي الآن مع أن المؤسسة الأردنية منشغلة في كل الأروقة الدولية ومنغمسة في التصدي للوقائع التي يحاول حسمها يمين إسرائيل، فيما يتفق مثقفون كثر من بينهم المعشر ومروان الفاعوري وحتى المصري، على أن المخاطر الحقيقية مع تنامي لعبة الصبر والوقت تطال الأردن والأردنيين وليس «الأرض المحتلة» فقط.
لكن استراتيجية الوقاية عبر الكمون لا تكفي بالنسبة لساسة كثيرين اليوم يملأ صراخهم مناخ عمان السياسي، وبعضهم من كبار طبقة رجال الدولة وليس من المعارضة. وأكثرهم جرأة في سياق التحذير من «عقائد اليمين الإسرائيلي» قد يكون الدكتور ممدوح العبادي الذي عبر في آخر تعليقاته عن شعوره بـ«الغيرة» عند رؤية «فتيات مسلحات إسرائيليات» فيما الأردنيات وبينهن بناته، «غير مسلحات».
دعوات تسليح الشعب الأردني ورفع مستوى الجاهزية لمواجهة وشيكة مع اليمين الإسرائيلي تعددت وزحفت بقوة في الشارع الأردني، وتتغذى يومياً على خرائط نتنياهو وتعليقات بن غفير وسموتريتش وتصرفات الاحتلال ضد الوصاية في القدس.
«اتفاقيات خطيرة»
لكنها في الأثناء تضغط على كل الأعصاب الحيوية في أجهزة القرار ثم على سيناريو «الانتظار والكمون التكتيكي» وقد تخرجه من سياق الخطاب الرسمي المنطقي والمعقول إذا لم يقدم الأمريكيون ومعهم رموز العمق الإسرائيلي «أدلة ملموسة وقاطعة» وسريعة على «ردع» وكبح جماح يمين إسرائيل على الأقل بخصوص مصالح الأردن.
الأدلة الوحيدة في الساحة اليوم هي تلك التي تمثل عملياً «استجابة الأردن» لمسارات «التكيف» مرة عبر الاسترسال الحكومي المضجر بالصمت، ومرات عبر «اتفاقيات خطيرة» وحساسة بعنوان الكهرباء والماء تم توقيعها مؤخراً بضغط إماراتي أو عبر تنشيط اجتماعات لجان بالعقبة والتعامل مع قصة نتنياهو وسياجه بالأغوار وكأنها لم تسمع.
يعني ذلك أن حكومة عمان تستجيب للمتطلب الأمريكي الخاص بإنتاجية «الصمت والكمون» على أن تحصل النتائج لاحقاً.
لكن بالمقابل، لا تطوير لاستراتيجيات اشتباك خارج الاحتفاظ بالمكتوم من الأوراق الرابحة، وفي الأثناء طبعاً تزحف المخاوف أكبر، وينتاب الشارع حالة قلق غير مسبوقة تزيد تعقيداتها بسبب وضع معيشي معقد وأزمة أدوات نادرة ويزيد عدد أصحاب الألقاب الرسميين المنادين بتسليح الشعب لمعركة قادمة لا محالة.
القدس العربي