من يتابع الأحداث العالمية الجارية وبالأخص العلاقات بين الولايات المتحدة والصين في الفترة الأخيرة يجد أن هناك شواهد لا تُبشر بالخير, لبناء علاقات إقتصادية وتكنولوجية بين أكبر إقتصادين في العالم من أجل التغلب على المشاكل والظواهر العالمية وأهمها التغير المناخي , فالتقدم التكنولوجي يجب أن يُسخر لخدمة ورفاه البشرية ولمحاربة الجوع والفقر ومكافحة الأوبئة وغيرها.
يبلغ إقتصاد الولايات المتحدة مع الصين ما يزيد عن 40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي, وتشكل مجموع براءات الإختراع المسجلة لكلا البلدين أكثر من 50% من ما تم تسجيله لدول العالم بأسره, وهذه النتائج تُظهر أهمية البلدين في ما تقدمهما معاً لخدمة البشرية في التوافق والتكامل بينهما, لكن الواقع بغير ذلك, وسنقوم بسرد بعض من شواهد الخلافات الأخيرة بين الولايات المتحدة والصين:
أولاً: الخلافات التي حصلت أثناء جائحة كورونا وتراشق الإتهامات بين البلدين بخصوص نشر هذه الجائحة , وعدم التعاون في تطوير لقاح مشترك بينهما , مما أدى إلى تأخير التعامل مع الجائحة وتعميقها وزيادة الخسائر البشرية والإقتصادية, ناهيك عن التحورات التي حصلت وأضرت بالإقتصادين بشكل خاص وبالإقتصاد العالمي بشكل عام.
ثانياً: تقليص الصين لسندات الخزانة الأمريكية التي تحتفظ بها بشكل متسارع فبعد أن كانت قرابة 1100 مليار دولار قبل أقل من عامين أصبحت خلال شهر تموز الماضي 822 مليار دولار, وهذا ينبع عن محاربة الصين للدولار الأمريكي وظهر ذلك جلياً في تفعيل دور مجموعة بريكس الإقتصادية من خلال الإجتماع الأخير الذي عقد في جنوب إفريقيا, وتقليص التعامل بالدولار والإعتماد عليه وإستبداله بالعملات المحلية في التبادلات التجارية والنفطية بين الأعضاء.
ثالثاً: منع الولايات المتحدة تصدير تكنولوجيا الرقاقات الإلكترونية التي تقل عن 7 نانو إلى الصين, والتي تستخدم لتصنيع الأجهزة والمعدات الإلكترونية الفائقة الدقة من عسكرية ومدنية للتفوق بالذكاء الإصطناعي, وقد رأينا مؤخراً كيف تمكنت الصين من الحصول على هذه التقنية, والأغلب قامت بتطويرها لتصنع هواتف خلوية من قبل شركة هواوي الصينية لتضاهي شركة أبل الأمريكية.
رابعاً: وصف الرئيس الأمريكي للرئيس الصيني بالدكتاتور على خلفية إسقاط المنطاد الصيني داخل الأراضي الأمريكية, وهذا الوصف عمق من الشرخ بين البلدين.
خامساً: الإتهامات المتبادلة بين الدولتين على خلفية زيادة الهجمات السيبرانية والقرصنة والتهكيرات التي تتعرض لها الحكومات والأنظمة والمؤسسات في كلا البلدين .
سادساً: قيام الولايات المتحدة بإطلاق مشروع "الممر" أو "الجسر الرقمي والأخضر" والذي سيربط أوروبا بالهند وجنوب شرق آسيا مروراً بالخليج والأردن , ليضاهي طريق الحزام والطريق الذي أطلقته الصين عام 2013 , وذلك للمنافسة التجارية العالمية بينهما للفترة القادمة.
سابعاً: التوتر بين البلدين نتيجة الأزمة التايوانية وموقف الصين المحابي لروسيا في الحرب الروسية - الأوكرانية.
ثامناً:توجيه رسالتين قويتين من الصين للولايات المتحدة بعدم مد جسور التعاون فيما بينهما من خلال:
1-عدم حضور الرئيس الصيني لقمة العشرين التي عقدت مؤخراً في الهند
2-عدم حضور الرئيس الصيني للإجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 78 والذي عقد في نيويورك مؤخراً.
إن عدم حضور الإجتماع الثاني من قبل الصين جاء تأكيداً على الموقف الصيني بعدم الحضور في قمة العشرين, وليس مجرد إعتذار لأسباب مبررة وخصوصاً أن الرئيس الأمريكي قد حضر القمتين, حيث أن الرئيسين الأمريكي بايدن والرئيس الصيني شي جين بينغ قد إلتقيا آخر مرة في قمة العشرين التي عقدت العام الماضي في بالي كحضور رسمي لكلا الطرفين.
في الخاتمة , إن التباعد والمحاصصة بين الطرفين الأمريكي والصيني لن يصب في مصلحة شعبيهما بشكل خاص ولا بمصلحة بقية شعوب العالم بشكل عام, فما أحوج العالم في هذه الأيام إلى التعاضد والتكاتف لحل المشاكل المستعصية من ديون متزايدة والتي وصلت إلى 307 ترليون دولار , والكوارث الطبيعية من زلازل وفيضانات وجفاف وتغيرات مناخية كلها بحاجة إلى جهود تلك الدولتين مجتمعتين.
فهل نرى تقارب بين البلدين إذا فاز الجمهوريين في الإنتخابات القادمة لعام2024؟
الخبير والمحلل الإستراتيجي
المهندس مهند عباس حدادين
mhaddadin@jobkins.com