اطلقت نقابة الفنانين الاردنيين هذا الاسبوع احتفالية يوم (الفنان الاردني!) وتستمر لمدة شهر حتى 17 اذار القادم ، وكانت فكرة ليست في محتواها وتداعياتها ، لكنها ذكرتني والمشاهد الاردني على اقل تقدير ان هناك ( فنان اردني ) ..!
في فترة الثمانينات القرن الماضي وبحيادية مطلقة كان الفن الاردني يطارد الفن المصري عبر شاشات الخليج ، كان الفن الاردني ،التمثيل منه يحتل المرتبة الثانية على الشاشات العربية اجمالا ، وكان الفنانون السوريون يلتحقون كضيوف شرف باكثر الاعمال الفنية المحلية ، جاءت حرب الخليج الثانية ، فاُجهضت التجربة الفنية بالكامل الى ان بلغ بفنانين كبار ان يتحولوا الى عاطلين عن العمل ينشدون لقمة عيشهم في اعمال دونية سجلتها الصحافة المحلية وقتها ، وبلغ الامر دون ذلك الى ان يتبرع بعض اعضاء الرابطة قبل ان تصير الى نقابة لدفع الاجور الشهرية لمقر الرابطة ، كان المشهد كارثيا فيما تلى فترة التسعينات ، وما زال الى اليوم دون المنافسة ودون الطموح..!
--------
يتنافس الفنان المصري والسوري اليوم على الشاشات العربية في عالم اصبح اكثر انفتاحا من الفترة التي سببت كارثة الفن الاردني سابقا ، ففي فترة الخمس سنوات الاخيرة وحيث تعرضت سورية لعزلة سياسية عربية تشبه حال الاردن والدول التي اعتبرت من محور العراق في حرب الخليج الثانية ، لكن الفن السوري كان هو الرائد على الشاشات العربية ولم يتاثر بالبعد السياسي الراهن ، و رغم المواقف السلبية من السياسة السورية لبعض الدول العربية لكن الفن السوري ظل حاضرا بقوة على شاشات خليجية وعربية تختلف مع سوريا ايدولوجيا وسياسيا ، وهو ما كان حاصلا ابان المقاطعة العربية لمصر في حين كانت الاعمال المصرية هي الاكثر حضورا على المحطات الرسمية العربية ومنها محطات لدول كانت تقف في اقصى المعارضة لمصر كامب ديفيد في حينها
..!
اعتبرت نقابة الفنانين ان يوم الفنان هو في اتجاه التذكير بالفنانيين المتوقفين عن التمثيل لاسباب صحية ومعيشية وخلافها من جيل رواد الفن الاردني ، واعتقد ان عددهم كبير من امثال عمر قفاف وربيع شهاب وهشام يانس وعادل عفانة ، ووراء تجارب هؤلاء والكثير القصص الكبيرة من خيبات الامل والنهايات المؤلمة ، المهم ان الفكرة بهذا الاتجاه صحيحة داخل مجتمع الممثلين والفنانين ، فيما على صعيدنا نحن المتابعين فالفكرة باعتقادي اكبر ، لقد تذكرنا اليوم ان هناك فن اردني ، او بصورة ادق لليوم شهادة وفاة هذا الفن (الكهل!) لم تصدر بعد..!
في السنوات الاخيرة شاهدت اعادة انتاج لاعمال اردنية كبيرة انتجت قبل نحو ثلاثين عاما ، ورأت القنوات الخليجية انه من الممكن ان تعيد استقطاب المشاهد الخليجي ، ونجحت بالفعل مثل ، (راس غليص ) و( نمر بن عدوان) الذي كتبه العلامة روكس العزيزي و (وضحى وابن عجلان) ، والاخير كان قد انتجه التفلزيون الاردني قبل اكثر من ثلاثين عاما للدكتور النائب السابق والمثير للجدل احمد عويدي العبادي ، وكان الاردن يستعين بانتاجه الذي يعبر القنوات العربية بشخصيات فنية عربية كبيرة ، مثل يوسف شعبان والفناة المعتزلة هناء ثروت ، وطلحت حمدي ، فيما على صعيد الكتابة الدرامية فقد سبق الدكتور وليد سيف و بانتاج اردني واخراج اردني وفنانيين مصريين مسلسل ( ملحمة الحب والرحيل ) وجاء بعده بنحو ربع قرن العمل المطابق له( الزير سالم) للكاتب والشاعر السوري ممدوح عدوان من اخراج وانتاج سوري ، وثمة اعمال تاريخية رائعة كان الاردن هو السباق في انتاجها مثل عروة بن الورد والخنساء والصعود الى القمة عن عصر السلاجقة و المعتد بن عباد وشجرة الدر ، بالاضافة الى الاعمال البدوية ذائعة الصيت في الخليج العربي والاعمال الكوميدية عن الحياة اليومية للفنان موسى حجازين ونبيل المشيني وحسن ابراهيم ، وبالفعل قام على تلك الاعمال نخبة كبيرة من الفنانين المميزين امثال هؤلاء وغيرهم الكثير، وبمشاركات عربة واخراج اردني ، تفوق فيه مخرجون كبار من امثال صلاح ابوهنود وحسن ابوشعيرة وومحمد العوالي وسعود الفياض ومحمد عزيزية والاخير وجد نفسه اخر ما وجد في الاعمال المصرية الى عهد قريب ، شاهدت احد اعماله مع الفنانة يسرا ، وهو ليس بخارج سرب الممثلين انفسهم الذين يحاولون البحث عن فرصة عمل هنا وهناك ، يحاول بعضهم الولوج في الاعمال السورية والمصرية والخليجية ، حال اليم ومؤسف للغاية من الريادة الى البحث عن مقعد احتياط ليس اكثر في الملعب العربي..!
------
لاحظت ، في السنوات الاخيرة ان الفنان الملتزم محمد القباني ، والذي تربطني به علاقة مصاهرة قوية ، قد بدأ يشارك في اعمال كثيرة ونادار ما يتواجد في الاردن ، وتبين لي ايضا ان اكثر الاعمال التي يشارك بها هي اعمال عربية وان كان بعضها تشرف عليه شركة انتاج اردنية لكنه بالاجمال يعتمد بالاغلب على رموز فنية عربية وليست اردنية ، ليست تقليلا من شان الفنان الاردني الذي لم يعد معروفا على الشاشات العربية ، وبذلك وجدت شركات الانتاج حتى الاردنية منها ان الفنان الاردني لا يمكن ان يوضع على شارة البداية للترويج لاي عمل ، لاسباب اكثرها اعلامية وليست فنية..!
لا يمكن ان تكون هزة حرب الخليج وحدها قد اتت على الفن الاردني لتوصله الى هذا الحال الاليم ، وهو ما لم يحدث مع دول عربية اخرى كما سوريا ومصر في ظروف مشابهه تخطتها ، الواضح ان الفن الاردني ، لم يحمى باي مؤسسات حقيقة سواء في النقابة الموجودة حاليا او التفلزيون الاردني او شركات الانتاج ، فالكل تقهقر مع اول ازمة عصفت بالفن الاردني ، وخلال فترة الازمة تراجع مستوى الفن الاردني الى ابعد ما يكون عنه الاعتزال ، فلو غاب الفن الاردني في فترة المقاطعة العربية لكان افضل من الانتاج الهزيل الذي تم في تلك الفترة ، والتي شاهدنا فيها اعمالا سخيفة ، لا يمكن الا وصفها بانها وصمة عار في جبين الفن الاردني ، لا اتورع عن ذكر اعمال مهينة في ذلك الوقت مثل مسرح صايمة وطبيشات ومسرح زواد ولد عواد وحتى الكثير من مسرح نبيل وهشام الذي اعتمد بالمطلق على التجرية السياسية التي تلت عودة الانتخابات البرلمانية ولم يعتمد اطلاقا على مضمون او قيمة فنية ، يستثنى القليل من الاعمال في تلك الفترة لعل مسرح موسى حجازين ومحمد الشواقفة كان منها لكنه كان مسرحا (محليا) غير قابل للتعويم على الساحة العربية..!
***
قرأت اعلان السيد حسين الخطيب نقيب الفنانيين وهو من جيل ما بعد الريادة –اذا صح التعبير – وهو يعلن عن يوم الفنان الاردني ، سعدت بالخبر وبحماس النقيب الذي يبدو انه يعتقد ان الفن تجاوز مرحلة التراجع تلك وهو ليس كذلك ، قرأت خبر مولد يوم الفنان الاردني ، وبالعودة الى الفن الاردني ، اكثر من النقد تذكرت قصيدة الفنان العربي الكبير سعدون جابر ، فايقضت الحنين واهديها اليوم لكل فنان اردني بعد عشرين عاما من الحنين اليه
:\"
عشرين عام انقظت وانت اللي ناسينا
شيبنا شوف الشعر لونه شعمل بينا
ذكرتنا بالصغر وايام منسيه\"!!