حدثني أحد الأصدقاء, ممن يعملون في المحاكم والقضاء, عن قصة طريفة حدثت مع أحد الرؤساء, بعد تعينه رئيسا للمحكمة في إحدى المدن الأردنية الغراء. وكالمعتاد فقد جاءت أفواج المهنئين لتقديم التهاني والتبريكات, والدعوة بشدة إلى المناسف والحلويات, وبصدق فقد كان الرئيس الجديد أهلا للأمانة, وعزة نفسه تفوق كل حاجة, فرفض الدعوات بإصرار وشدة, وكان يعلم يقينا النية..؟ وذات يوم جاءه أحد الوجهاء, وأصر عليه إصرار النبلاء, وما بين أخذ وعطاء, قبل الرئيس الدعوة, آخذا بحسن النية..؟
وبعد أيام من الدعوة, جاءه الوجيه بعباءته المذهّبة, يزهو زهوا الفاتحين الأبطال؛ طالبا لقاء الرئيس, فاستقبله مرحبا به, فجلس الوجيه مفترشا الكرسي, تملؤه الثقة, وتعلو محياه بسمة صفراء, فسأله الرئيس عن أحواله, فبادره الضيف إلى سؤاله, وقال: جئتك في حاجة ملحة, تخص أحد الأحبة, لتسريحه من قضية, ارتكبها قبل مدة. عندها صمت الرئيس لحظة, فخطرت له فكرة,.؟! ثم قال له: أتعلم من المتكلم..؟! فاستغرب الوجيه السؤال, وقد بدا على ملامح وجهه الاستغراب والانفعال..؟!! فصمت ولم يجب ..؟, فقال له الرئيس: أنا أجيبك...؟! نعم, خروفك اللي بتكلّم... وليس أنت ؟! فزادت دهشة الوجيه (وكأن على رأسه الطير..؟!! ) ثم سأل الرئيس الوجيه بحزم وشدة, عن تكلفة الغداء والدعوة, فتردد الوجيه بعد انكماش جلسته, وصمت لحظة, فقد أذهلته الصدمة, ثم قال محاولا التبرير والاعتذار,وقد تلعثم لسانه عن الكلام: أنا...أنا, فقاطعه الرئيس, وخيّره بين قبول المال, أو التوجه إلى غرفة الحجز في الحال, فما كان من الوجيه إلا أن أخذ المال وخرج مسرعا. عندها أقسم الرئيس أن لا يستجيب لدعوة مادام على رأس عمله...؟!
هذه القصة أيها الأفاضل من الواقع, لا من نسج الخيال, وإن كانت في هذا الزمان حالة فريدة للمسؤول النظيف الذي يبتعد عن كل ما يثير الشبهات, ومنها الولائم المتبوعة بالطلبات غير المشروعة من مبدأ( طعمي الثم بتستحي العين ). وظاهرة ( الدعوات المشبوهة) أو دعوات المصالح, أو سمها ما شئت, والمنتشرة في بلادنا كانتشار النار في الهشيم, بل وأكثر من ذلك أعرف مسؤولين كانوا يطلبونها من الموظفين, أو المراجعين دون أدنى حياء, و يشترطون نوع الوجبة والمقبلات واختيار المكان والزمان. إن خروفا واحدا كفيل بحل مشكلة مستعصية مشروعة كانت, أو غير مشروعة عجزت عن حلها كل الأنظمة والتعليمات حسب كل الأصول والفروع, أو قد يأتي لك هذا (الخروف) سواء كان سودانيا أو بلديا بمنصب لا تستحقه أو بعثة أو ترخيص أو ترقية أو سفرة ترفيهية بطابع رسمي على حساب الدولة وغيرها الكثير من المطالب غير المشروعة التي لا تنتهي.
ولكن يبقى السؤال عن الفقراء والمساكين الذين ليس بمقدورهم شراء حتى الدجاج لأولادهم فماذا هم فاعلون لحصولهم على أبسط حقوقهم المهضومة والمسلوبة والمنتزعة بغير وجه حق؟ فلا أقل من ذي القرنين لمثل هؤلاء المسؤولين ليشبع كروشهم المنتفخة...التي لا تشبع؟ اللهم سلط عليهم قرون تيس تنطحهم نطحا فلا تبقي لهم أثرا...قولوا آمين.