حقا؛ إنه حين يشعر بالعجز، يموت الحر -لو كان حرا- كمدا، حين يسمع استغاثات أطفال ونساء الفلسطينيين في غزة، ويشاهد بالدم الأحمر المباشر، تمزيق أجسادهم وطحنها وحرقها، بدم خسيس بارد.. لكنه زمن نعرفه جيدا، لأننا توقعنا قدومه، وما زلنا نتوقع ما هو أسوأ منه، حيث سيمر على المجرمين حالات أخرى من مظاهر ترف ممارسة الجريمة، يبدعون بفنون جديدة منها، لأجل المتعة فقط، إبداع و»تفكير خارج الصندوق» واجتراح فنون لتعذيب وقتل ضحيتهم.. وسينتابهم الملل من أسلوب القتل ونوع السلاح، ويتفوقون على مللهم بتفكير ونظريات جديدة، لإضفاء المتعة الكاملة على مسرح المجازر العربية.
لا أحد يسمع ولا يشاهد فصول هذه المحرقة الراعفة بشتى انواع وخيالات الموت، ولا مجال ولا مفردات لوصف ما يجري، لماذا الوصف أصلا والكوكب كله يشاهد حفلة الموت التي تجري على الهواء، لإبادة الشعب الحر؟!.
أصبح باعثا على الإشمئزاز، هذا الهذر السخيف الذي يتلطّى خلفه كل فرد في هذه الأمة، فهو لا يؤثر في قلوب وعقول ونوايا المجرمين، ولا يقع في نفوسهم، إلا كما يقع خوار وثغاء ذبائح الزرائب، حين تقاد إلى سكين الجزار، وقد شبعنا ظواهر صوتية ومظاهر رجولية مزعومة، وبطولات بحجم سفالات وسماجات، فالجميع يبصم للقتلة بتفوقهم، وبوحشيتهم، وبقتار «علفهم» لضحايا، اقترب موسم ذبحهم، سوى أطفال غزة وفلسطين، لا يبصمون، فهم تتقطع أوصالهم، وتنهرس وتنحرق، وهم صامدون، صمودا لا تعرفه لا رجال ولا أبطال، ولا جبال كل العرب والعجم، حيث يتم طيّ حياتهم وبراءتهم وحبهم لأمهاتهم وآبائهم وأشقائهم وألعابهم، وأحلامهم على رؤوس الأشهاد، وبكل ما تفتقت عنه عبقرية الجريمة، والخسّة والانمساخ البشري.. وعلى الرغم من قناعتنا بأنهم الجنس البشري الوحيد الذي يستحق الحياة تحت السماء، لكننا حكمنا عليه بالوأد حيّا، لا ماء ولا هواء ولا ضياء.. وإن حفرت عليه الأصابع المهترئة، وانتشلوه، عندئذ لا دواء.
بشكل حقيقي، تحسسوا رؤوسكم ورؤوس أطفالكم، وتلمّسوا كل مظاهر حياتكم، فلا عربيا واحدا مهما كان حجمه وعلو صوته، أو حتى حجم تعاقده مع المجرمين، فهو ليس بمنأى عن الذبح، لأنه وفي بورصة الدم التي تحظى بأكبر وأوسع وأقذر وأعجز مشاهدات، قد يتقلّب ويتذبذب ويرتفع وينخفض العرض والطلب، ولن يكلفهم الأمر أكثر من دوران صاروخ أو طائرة، فتتسع رقعة المسرح، لتكرروا ما حفظتم من استغاثات وصرخات منقولة من تحت وفوق تراب غزة.
الخالق لن ينعم على الجبناء المتفرجين بالنصر، بل بالعقاب، وسينتهي دم وأوكسجين الشعب الصابر الذي يتعرض للإبادة، الذي تبتسم لنا ملائكته الصغار قبل وأثناء وبعد الموت، وتستغيث بقارّات الهمم والبطولات العربية، ولا تعلم هذه الملائكة بأنها أمة من بعدهم بائدة، ولا عظماء فيها سوى الأبرياء في غزة، الذين وقعت عليهم قرعة الجولة الأولى من جحيم الإبادة.
توجهوا لله بالدعاء أن ينتهي الأمر عند غزة وفلسطين، ولن يسمع منكم.