زاد الاردن الاخباري -
ترفض الحكومة فكرة تبني تنظيم قانوني للجوء يستند إلى اتفاقية 1951 و/أو برتوكولها الخاصين بأوضاع اللاجئين.
ويستند الرفض وفق الدراسة التي أعدها المحامي خيرو الصمادي لصالح المركز الوطني لحقوق الانسان بعنوان نحو تبني تنظيم قانوني للجوء في الأردن وحصلت العرب اليوم على نسخة منها - لعدة هواجس تدور في محورين: محور تدور في فلكه الهواجس السياسية بإبعادها المختلفة, ومحور تدور في فلكه الهواجس الاقتصادية الاجتماعية.
ودأبت منظمات وناشطون حقوقيون على مطالبة الحكومات المتعاقبة بضرورة تبني المملكة اتفاقية تنظيم قانوني للجوء هي في المصلحة الوطنية والالتزامات الدولية يدا بيد, مشيرين ان كلتاهما تقضيان بضرورة تبني تنظيم قانوني للجوء, لتحسين صورة الأردن الدولية, وتلافي القصور في التشريع الوطني, ولترجمة الرؤية الملكية الا ان الاردن يعترض على ذلك وعلى عدة مستويات رسمية وامنية
وبحسب الدراسة فان منظمات حقوق الانسان والهيئات الدولية وناشطين في حقوق الانسان وجهوا العديد من الانتقادات للاردن بسبب عدم تبني المملكة لقانون ينظم اللجوء في الاردن وانضمامه إلى اتفاقية 1951 وخلو نظامه القانوني من تشريع ينظم أوضاع اللاجئين, اضافة إلى انتقادات حادة (من المنظمات الحقوقية و الهيئات البحثية والناشطين في مجال حقوق اللاجئين), مؤكدة ان أحد أهم وسائل تحسين صورة الأردن الدولية فيما يختص بالتعامل مع اللاجئين, هي الانضمام إلى اتفاقية 1951 أو تبني قانون وطني للجوء.
يذكر أن الأردن يستضيف أعدادا كبيرة من اللاجئين على أراضيه, إلا أن نظامه القانوني لا يشتمل على إطار تشريعي ينظم العلاقة بينهما, بصورة تتناسب والمعايير الدولية المعترف بها في هذا السياق. فما يحتويه النظام القانوني الأردني من نصوص في هذا الشأن: إما أنها جاءت عامة مقتضبة كنص المادة 21/1 من الدستور الأردني و نصوص المواد 6 و 8 من قانون تسليم المجرمين الفارين. وإما أنها لا تراعي خصوصية وضع الأجنبي اللاجئ كقانون الإقامة و شؤون الأجانب, أو أنها لم تأت بجديد يذكر في هذا السياق كمذكرة التفاهم بين المفوضية والحكومة الأردنية.
وتؤكد الدراسة إن أحد أهم وسائل تلافي هذا القصور, هي الانضمام إلى اتفاقية 1951 أو تبني قانون وطني للجوء, فرغم أن الأردن لم ينضم إلى اتفاقية 1951 إلا أن ذلك لم يمنع اللاجئين من التدفق إليه. الأمر الذي جعله يتحمل وحيدا, أعباء إقامتهم على أراضيه.
وترفض الدراسة تصنيف اللاجئين مجرد زوار ووفق ما تتبناه السياسة الرسمية, وتساءلت الدراسة: بأي سند قانوني نطالب المجتمع الدولي المساعدة في استيعاب الحاجات الاقتصادية والاجتماعية لأشخاص ليسوا إلا زوارا?
وانتهت الدراسة الى عدة هواجس تحاول الحكومة تجنبها, أكثر من أخطار حقيقية محدقة وذلك بعد استقصاء أسباب امتناع الأردن عن تبني تنظيم قانوني للجوءاتفاقية ,1951 من الوزارات والجهات الرسمية المختصة, وتتمثل الهواجس الرسمية في محورين: محور تدور في فلكه الهواجس السياسية بإبعادها المختلفة, ومحور تدور في فلكه الهواجس الاقتصادية الاجتماعية.
محور الهواجس السياسية
يشتمل هذا المحور على طائفة من الهواجس يجمعها جوهرها السياسي, في حين يمايزها عن بعضها, أبعادها المختلفة المتعلقة إما بالقضية الفلسطينية أو المحيط الجيو- سياسي للأردن أو ديموغرافيته أو أمنه الاجتماعي.
اللاجئون الفلسطينيون وحق العودة - حوار مع وزارة الخارجية
الدراسة سألت ممثلي وزارة الخارجية - دون الاشارة الى هويتهم -: هل ما ذكرت من أسباب هو ما يحول دون انضمام الأردن إلى اتفاقية 1951 أو تبني قانون وطني للجوء? فأجابت الوزارة بالنفي, مشيرة ان مشكلة الاردن الوحيدة مع اتفاقية ال¯ 1951 هي مشكلة اللاجئين الفلسطينيين (حق العودة) والخشية من فقدان اللاجئين حق العودة في حال انضمامنا إلى الاتفاقية. فالسؤال الأهم ماذا سيحدث لو أن الاونروا توقفت عن العمل من دون ان يكون الاردن موقعا على الاتفاقية, هل سيصبح اللاجئون الفلسطينيون خاصة أولئك الذين لا يحملون الجنسية الأردنية تحت مسؤولية الحكومة الأردنية?.
وترى الدراسة أن من مصلحة الأردن قانونا, أن ينضم لاتفاقية 1951 في حال توقفت (الاونروا) عن العمل قبل أن يسوي مشكلة اللاجئين الفلسطينيين تسوية مرضية له; وذلك حتى يضمن أن لا يكون وحيدا في تحمل مسؤوليتهم, وحتى يضمن من خلالها, بوصفها أداة قانونية فاعلة في هذا السياق, قدرته على إشراك المجتمع الدولي في تحمل مسؤولياته تجاههم.
التدفقات الكبرى للاجئي الحروب من الدول المجاورة
كما اجرت الدراسة نفسها حوارا مع ممثلين عن وزارة الداخلية لم تسمهم قالت فيها الوزارة إن الأمن والاستقرار الذي يتمتع به هذا البلد هو ما يجذب اللاجئين إليه, ولهذا فإن حرصنا على هذا الأمن والاستقرار هو ما يجعلنا نخشى من الأعداد الكبيرة من اللاجئين.
وعادة لا يعتبر الأشخاص الذين يُجبرون على مغادرة بلدان منشئهم الأصلية نتيجة لنزاعات مسلحة دولية أو وطنية لاجئين بمقتضى اتفاقية عام 1951 أو بروتوكول عام .1967 إلا أنهم رغم ذلك, يتمتعون بالحماية المنصوص عليها في وثائق دولية أخرى, كاتفاقيات جنيف لعام 1949 بشأن حماية ضحايا الحروب وبروتوكول 1977 الذي تمت إضافته إلى اتفاقيات جنيف لعام 1949 والمتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية الفقرة 164 دليل المفوضية للإجراءات والمعايير.
ووفق الوزارة فان الأردن يتحمل فعليا مسؤولية لاجئي هذه التدفقات, نظرا لإقامة اللاجئين على أراضيه لآجال طويلة.
ولكن تحاول الدراسة اقناع الداخلية بان انضمام المملكة إلى اتفاقية 1951 سيوفر أداة قانونية مهمة لمطالبة المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه هذه التدفقات, وبمساعدة الأردن في هذا الشأن.
أما من حيث الهواجس الديموغرافية - السياسية: فان مبدأ التوطين - والحديث هنا عن اللاجئين الفلسطينيين تحديدا هو تماما ما يرفضه الأردن ولهذا ترى الدولة بان الانضمام إلى اتفاقية 1951 وذلك لأنها تنص على ضرورة تجنيس اللاجئين أو تبني آلية وطنية للجوء سيعني بالضرورة دمج اللاجئين محليا أي التوطين وهذا أمر مرفوض أعلنه الملك عبد الله الثاني صراحة أكثر من مرة.
هواجس الأمن الاجتماعي
أما من حيث هواجس الأمن الاجتماعي- اللاجئون العراقيون مثالا, فان المسائل الأمنية تعتبر من أكثر الانعكاسات المتوقعة عند نشوء جالية كبيرة من غير السكان الأصليين وتخلق تعقيدات أمنية كبيرة للجهات المعنية.
وقد عانى الأردن في عقد التسعينيات جراء عودة الأردنيين المغتربين بعد حرب الخليج من بعض الانعكاسات الأمنية خاصة بروز ظواهر جرمية غريبة عن المجتمع الأردني فما بالك بوجود جالية عراقية لها امتداد على الساحة العراقية التي تشهد حالة من الانفلات الأمني, وفي بلد مثل الأردن يعتبر الاستقرار احدى الدعامات الأساسية التي يقوم عليها المجتمع والاقتصاد, فاي تهديد للأمن ستكون له انعكاسات سلبية جدا على الاقتصاد.
ووفق الدراسة فإن المحافظة على الأمن والاستقرار لها تكلفة اقتصادية كبيرة تتمثل بضرورة تخصيص موارد كبيرة للأجهزة الأمنية سواء كانت موارد بشرية او مادية, وللحفاظ على الأمن في ظل وجود هذا العدد الكبير من العراقيين وغيرهم من الجاليات الأجنبية فإن الأجهزة الأمنية تجد نفسها مضطرة إلى العمل المتواصل والسهر الدائم وزيادة الموارد والامكانات المخصصة للحفاظ على أمن الوطن.
ووفق الدراسة فان معظم العراقيين في الأردن ينتمون إلى الطبقة المتوسطة ولكنهم استنفدوا مدخراتهم على مر الأعوام التي قضوها في الخارج ولم يتمكنوا من العثور على فرص عمل. ولا يعمل سوى 22 بالمائة من العراقيين البالغين المقيمين في الأردن, أما الباقون فهم عاطلون عن العمل, وفقاً لدراسة حديثة أصدرها معهد الدراسات التطبيقية الدولي النرويجي (فافو).
ويعتمد عدد كبير من العراقيين على المساعدات المالية التي تصلهم من أقاربهم المقيمين خارج الشرق الأوسط, خصوصاً في أستراليا وكندا ونيوزيلندا والسويد, في حين يعتمد الآخرون على الوظائف المؤقتة في ظل قوانين الهجرة الأردنية التي تمنعهم من شغل مناصب دائمة.
أما عن الهواجس الاقتصادية- الاجتماعية, ايضا سيؤخذ اللاجئون العراقيون كمثال, فان الدراسة تعتبر ان هذه الهواجس الأكثر تأثيرا في إحجام الأردن حكومة شعبا عن تبني قانون وطني للجوء أو تصديق اتفاقية.1951
ويعتبر الباحث القانوني عبد السلام النعيمات, صاحب دراسة الآثار الاقتصادية والاجتماعية للجالية العراقية في الأردن, الصادرة عن الجمعية العلمية الملكية في حزيران ,2005 ان هناك اثرا لحرب العراق على النمو والتضخم في الأردن, وهو ما اكدته دراسة صادرة عن مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية ,2007 اعدها الدكتور ابراهيم سيف وديفيد ام. دي بارتولو.
وتوصلت كلتا الدراستين إلى نتائج متناقضة بصورة لافتة لدراسة نفس الظاهرة: فالدراسة الأولى, خلصت إلى وجود آثار جدية للجالية العراقية على الاقتصاد الأردني: إن وجود جالية عراقية بهذا الحجم في الأردن لا بد وان يكون له انعكاسات وآثار اقتصادية واجتماعية على المجتمع الأردني والاقتصاد الأردني, إن كان ذلك على المستوى الكلي, أو الجزئي..
في حين خلصت الدراسة الثانية إلى أن الآثار الاقتصادية للوجود العراقي في الأردن قد بولغ في تصويرها سلبا و إيجابا: الإدراك الشعبي في الأردن أن ما يقرب من 800.000 عراقي الذين فروا إليه تسببوا وحدهم بتضخم كبير. بحثنا يخبر قصة مختلفة... تبقى الحقيقة أن الوجود العراقي في الأردن و اثر الحرب على الاقتصاد الأردني بولغ فيهما, في كلتا الحالتين الآثار السلبية و الايجابية...لكن من المهم التأكيد على أن العراقيين في الأردن ليسوا مسؤولين عن معظم التحديات الاقتصادية التي يواجهها الأردن حاليا, وان عودتهم إلى العراق لن تؤثر كثيرا في تخفيف التضخم في الأردن«.
ولكن دراسة المحامي خيرو الصمادي تقول ان الامر الغريب أن الدراسة الأولى التي خلصت إلى وجود تأثيرات جدية للجالية العراقية على الاقتصاد الأردني, قد قدرت حجم هذه الجالية بنحو 300.000 إلى 400.000 نسمة فقط. في حين أن الثانية التي قدرته بالضعف (800.000) خلصت إلى النقيض من ذلك.
لقد أدى تكون الجالية العراقية في الأردن الى إيجاد منافسة كبيرة في سوق العمل نافست العمالة الأردنية في المجالات التي تحتاج إلى مؤهلات وإمكانيات بسبب انخفاض تكلفتها مقارنة بالبديل الأردني وفق الباحث الصمادي.
وزادت: إن وجود هذا العدد الكبير من طالبي العمل من العراقيين ساهم في زيادة نسبة البطالة في الأردن, أو على الأقل حد من جهود تخفيضها بشكل ملموس..., ومن الآثار السلبية لوجود العمالة العراقية تخفيض معدلات الأجور بسبب زيادة المنافسة على الوظائف المتوفرة.
كما ان وجود نحو 750 الف عراقي في الاردن ادى إلى زيادة مستويات الاستهلاك في الأردن, ونظرا لضعف القاعدة الإنتاجية في الأردن, فإن زيادة الاستهلاك تؤدي بالضرورة إلى زيادة معدلات الاستيراد, وبالتالي إلى زيادة العجز في الميزان التجاري, وتؤدي إلى ضغط متزايد على ميزان المدفوعات... تشير بيانات البنك المركزي الأردني إلى ارتفاع الرقم القياسي لأسعار المستهلك في الأردن... ويلاحظ انه وبعد فترة من الاستقرار في معدلات التضخم بدأ الرقم القياسي بالارتفاع اعتبارا من عام 2003م.
ولكن دراسة الآثار الاقتصادية والاجتماعية للجالية العراقية في الأردن, الصادرة عن الجمعية العلمية الملكية ترى أن الجالية العراقية ليست المسؤولة المباشرة عن هذا الارتفاع وإنما كان لها مساهمة في ذلك بفعل إسهامها في زيادة الطلب الكلي في الاقتصاد الأردني. أما الأسباب المباشرة لارتفاع الأسعار فهي الزيادة التي طرأت على ضريبة المبيعات, ورفع أسعار المحروقات, و ارتفاع سعر صرف اليورو, وأزمة النقل في ميناء العقبة, و تطبيق برنامج ضمان من قبل مؤسسة المواصفات والمقاييس والارتفاع الكبير في أجور الفحوصات من قبل الشركة الفرنسية المكلفة بتطبيق البرنامج.
ومن المسلم به في الخطاب الاردني الاقتصادي ان الزيادة في الطلب على العقارت, الذي تسبب به وجود الجالية العراقية في الأردن, ادت الى ارتفاع اسعارها, كما ان للعراقيين دورا في زيادة استهلاك واستيراد الطاقة
أما بالنسبة للاجئين الفلسطينيين وبعد اكثر من 60 عاما ما زالوا ينتظرون للعودة الى اراضيهم حتى صارت عودتهم حقا يصرون على المطالبة به في كل المحافل الدولية فيما يؤكد اشقاؤهم الاردنيون ان امكانية مجرد الحديث عن توطينهم مرفوض بصورة نهائية, وهو ما تشغل السياسة الاردنية نفسها به الى حد يقول بعض السياسيين الاردنيين ان عملية الاصلاح السياسي برمتها قد تنتظر الى حين ايجاد حل جذري لقضية اللاجئين الفلسطينيين بعودتهم الى اراضيهم وديارهم وممتلكاتهم.
ورغم ذلك لم تقدم الدولة الاردنية والمجتمع الاردني للاجئين الملجأ فحسب, بل تشاطروا ووافدوهم مأساة لجوئهم واقتسموا معهم لقمة العيش, وهو ما فعلوه مع اللاجئين القوقاز من الشيشان والشركس حتى تبوأ هؤلاء مناصب مهمة وحساسة في الدولة الاردنية, وما زالوا.
وكان على الاردنيين انتظار 55 عاما منذ العام 1948 وحتى احتلال بغداد لتتدفق على دولتهم مجموعات ضخمة من اللاجئين العراقيين قدرتها مؤسسة فافو النرويجية وفق دراسة اجرتها بطلب من الحكومة الاردنية بنحو 750 الف مواطن عراقي.
في المقابل, ورغم تنوع الخلفيات العرقية والثقافية لمن استظلوا حمى الأردن, ورغم تعلقهم بتراثهم واعتزازهم بشخصياتهم القومية, استطاع الأردن بتسامحه الفريد أن يجمعهم رغم تنوعهم في نسيج على قلب المواطنة الواحد فيما بات اليوم يشكل الهوية الوطنية الأردنية بكل ما فيها من تنوع و غنى يثير الإعجاب والاعتزاز.
العرب اليوم - رداد القلاب