زاد الاردن الاخباري -
لم تمض ساعات قليلة على زيارة جلالة الملك عبدالثاني إلى مملكة بلجيكا، يوم أمس، حتى كانت الأخيرة تعلن بشكل قاطع وجوب التحقيق في ارتكاب إسرائيل لجرائم حرب خلال عدونها الوحشي على غزة، مؤكدة أن كل الدلائل تشير إلى ذلك.
وكان جلالة الملك، الذي دأب على حمل ملف القضية الفلسطينية عموما، وملف الحرب الوحشية التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة المحاصر بشكل خاص حاليا، في كل زياراته الخارجية، حذر من "الوصول إلى مرحلة اللاعودة والانزلاق نحو حرب إقليمية".
وجدد جلالته خلال لقاءاته مع مسؤولي دول الناتو، ومنها بلجيكا، الدعوة للعمل للوقف الفوري لإطلاق النار في غزة وحماية المدنيين، محذرا من توسع دائرة الصراع إلى الضفة الغربية وتفجر الأوضاع في القدس.
وعقب ساعات من لقاءات جلالته في بلجيكا، بدا أثر الزيارة وما قدمه جلالته من معلومات وأدلة وتحذيرات جليا، وذلك في حديث وزيرة التعاون والتنمية البلجيكية كارولين غينّيز التي قالت "أن إسرائيل تعاقب المدنيين الأبرياء بشكل انتقامي وهناك انتهاك لقوانين الحرب".
وتدلل نتائج زيارة الملك على أن الأردن ونتاجا لسياساته المعتدلة والمتزنة منذ عقود كسب مصادقية وتأثيرا دوليا، خصوصا في أوقات الأزمات، وهو ما يمنح الأردن وزنا وثقلا دوليا كبيرا.
وهي أيضا تشير بوضوح إلى أن مصداقية الأردن في طروحاته وخطابه الوازن كانت ردا قاطعا تغلب التحريف الإسرائيلي وسياسات التضليل الإعلامي الإسرائيلية والغربية عموما.
وفي السياق، يؤكد استاذ العلوم السياسية الدكتور وليد أبو دلبوح لـ"الغد" أن تأثير الدبلوماسية الأردنية بقيادة جلالة الملك، عادة ما تكون نتاجها ايجابية ومؤثرة على العديد من الدول الغربية.
ويضيف أن "الأردن المتزن والملتزم منذ عقود في كافة سياساته وعلاقاته بمحيطها الغربية والعربي أتت أكلها في أوقات الأزمات"، حتى باتت المملكة تعتبر مرجعية لكثير من الدول الغربية في قضايا الشرق الأوسط وخاصة الصراع العربي الإسرائيلي.
ولفت إلى بروز أهمية مصداقية السياسة والدور الأردنيين في العلاقات الدولية، والتي ساهمت في إنتاج تأثير مضاعف وتغيير سسياسات بعض الدول في مواجهة تزييف الحقائق والدعاية الإسرائيلية في الغرب.
وبالنظر إلى واقع علاقاته الدولية، فإنّ الأردن وبرغم صغر مساحته وقلّة عدد سكانه يلعب دورًا مهمًّا ويقع في محور اهتمامات المجتمع الدولي، وعلى الأخصّ فيما يتعلّق بالأمن والسياسة. وفي ضوء ذلك تشكّلت خارطة علاقات الأردن الدولية، حيث يتمتع بعلاقات "تحالف" مع الولايات المتحدة، وكذلك مع الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا.
ويشير أبو دلبوح إلى أن الجولة الأخيرة لجلالة الملك تأتي استمرارا لجولات سابقة نجح فيها الأردن بالبحث عن تسويات عادلة وحقيقية بأفق سياسي واسع يكون عادلا للفلسطينيين، وليس فقط التركيز على ضرورة وقف الحرب فورا.
ويكشف ذلك، في رأي أبو دلبوح، عن أن الأردن لا يؤمن بالحلول المجزأة، إذ لا بد من وجود حل شامل وعادل ودائم تتم فيه تسوية القضايا والصراعات دون البحث عن حل عسكري محكوم بالفشل، ودليل ذلك التأكيد الدائم لجلالة الملك على أن الحلول العسكرية وحدها لا تحقق استقرارا دائما.
ويلفت أبو دلبوح إلى ان الزخم السياسي واللقاءات الملكية لرؤساء الدول الغربية والعربية يدلل على أهمية الأردن، مشيرا إلى ملامح تغير في الموقف الأميركي إزاء الحرب على غزة بعد أن وصلت الحكومة اليمينية في إسرائيل إلى مراحل متقدمة من التطرف والتعنت والأفق السياسي المسدود.
وتشكّل العلاقات الدولية للأردن إحدى روافع التأثير الجيواستراتيجي للمملكة في محيطها، ونظرًا للتحوّلات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية المتنامية في النظام الدولي وسياساته تجاه المنطقة العربية فقد تأثّرت بها السياسة الخارجية الأردنية، ومصالح الأردن الحيوية.
ويواجه الأردن لذلك خيارات صعبة ومتعدّدة في طريقة ومنهجية التعامل مع هذه التحوّلات، والتي تتشكّل بانعكاسات بعضُها مرحلي وبعضُها استراتيجي على دور الأردن ومصالحه واستقراره وعلاقاته الخارجية.
وبالتوازي يؤكد استاذ العلوم السياسية الدكتور محمد القطاطشة على أن أميركا تدعم وتساند إسرائيل باعتبارها شريك، فيما تتعامل مع النظام العربي كحليف ويقدم الشريك على الحليف في السياسة.
ويتابع أن الدبلوماسية العربية لم تحدث أية نتائج في يصال الرسالة الفلسطينية للغرب، فيما حقق جلالة الملك اختراقا مهما في السياسات الغربية وتوجه إلى الناتو باعتباره العقل الغربي المقنع.
ويشير إلى ان الدبلوماسية الأردنية الوازنة التي يقودها جلالة الملك بدأت تؤتي ثمارها واخترقت الغرب من باب القيم الإنسانية والأخلاقية، ونجح جلالة الملك في تغيير الصورة في الذهنية الغربية تجاه الصراع.
ويلفت القطاطشة إلى أن جلالة الملك كان حذر في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة من انفجار الصراع، الذي انفجر فعلا وهذه هي نتائجه على أرض الواقع.
ويشير إلى ضرورة وجود زخم عربي مساند لجهود جلالة الملك وأن تفوض القمة العربية جلالة الملك في مساعيه لوقف العدوان على غزة والبدء بالعملية السلمية.
جولات جلالة الملك الأخيرة، وعلى الأخص زيارته لبجيكا ودول الناتو، تأتي في إطار الحراك الدبلوماسي ونشاط الدبلوماسية الأردنية لرفع العدوان عن الفلسطينيين، والبحث عن حل دائم ومستمر لانهاء الصراع في المنطقة.
وفي ذلك، يرى الخبير السياسي واستاذ العلوم السياسية باسم تليلان بدأت تؤتي ثمارها "ولو مرحليا" في تحقيق ضغط غربي دولي على إسرائيل لوقف العدوان وإدخال المساعدات إلى القطاع المحاصر، ومن ثم إجبار إسرائيل على الجلوس إلى طاولة المفاوضات لتحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين.
وفيما يتعلق بنتائج الزيارة الملكية الأخيرة، قال تليلان من المؤكد أن رسالة الملك تستقبل بالتقدير والاحترام والتفهم الكامل في كل دول العالم، فالملك يمثل صوت الاعتدال والحكمة، ورسالته الثابتة هي البحث عن الحلول العادلة والشاملة والسلمية لكل القضايا العالقة، وفق الشرعية والعدالة.
وقال الدكتور تليلان إن جلالة الملك حريص على التواصل والتنسيق والتشاور مع جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ترسيخا لمبدأ الشراكة والحوار الذي يجمع الجانبين، باعتبارهم من الداعمين التاريخيين لإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط على أساس حل الدولتين، فضلا عن بحث ديناميكية التغييرات الإقليمية في المنطقة، وانعكاس ذلك على دول الاتحاد الأوروبي بوصفها من دول الجوار القريب.
كما أنّ للأردن علاقات متوازنة مع كلّ من الصين وروسيا واليابان، إضافةً إلى علاقات متعدّدة مع دول أخرى في كلٍّ من آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، لكنّها لا ترقى إلى مستوى علاقاته مع الدول الكبرى الصناعية.
ويتابع تليلان بالقول: عمومًا ما زال واقع العلاقات الدولية للمملكة يعمل على خدمة مصالحها الوطنية العليا بوصفها معيارًا ومتغيّرًا مهمًّا في مقاربة علاقات المملكة الخارجية، ويُحقّق لها دورًا إقليميًّا ودوليًّا مهمًّا في المنطقة