زاد الاردن الاخباري -
أطلق نتنياهو، الذي لم يجد وقتاً لتعزية العائلات الثكلى بسبب الحرب، ولا نريد التحدث عن زيارته للاجئي الكيبوتسات من الغلاف، أطلق أمس بياناً مطولاً آخَر لوسائل الإعلام عن زيارته الاستعراضية لوحدات الجيش الإسرائيلي. كان هؤلاء هم جنود وحدة “اغوز” ووحدة “خروب”، الذين تم استدعاؤهم ليكونوا بمثابة الزينة للزعيم، الذي بدأت شعبيته في التذكير بفترة إيهود أولمرت في أواخر حرب لبنان الثانية.
“لا ننوي التوقف”، أعلن نتنياهو أمام المقاتلين الذين التقاهم في قاعدة “تساليم”.
“أريد أن أقول لكم إنه من خلال ما ترونه في المنطقة، ومن خلال التقارير التي أحصل عليها أنا وكابينت الحرب والتحدث مع القادة والجنود، فإنكم تحرزون نجاحاً غير عادي. أقول لكم: زارنا أمريكيون، جاءوا وأوضحوا لنا ما الذي حدث في الفلوجة، وماذا حدث هنا وماذا حدث هناك. أدهشتهم إنجازاتنا. صحيح أن هناك مشكلات وخسائر مؤلمة جداً، ولكن النجاح هائل بالإجمال”.
المحادثات مع قادة الجيش، الذين يقودون القتال في القطاع ومن يديرون القتال في المستوى الأعلى في هيئة الأركان، تظهر صورة أكثر تعقيداً. الجيش راض، بل وفاجأهم المستوى المهني للقوات البرية في الأسبوع الثاني للعملية البرية في غزة.
تصميم القوات والروح القتالية والتعاون مع سلاح الجو وجهاز الاستخبارات، كل ذلك يبرز بصورة واضحة. ولكن هناك سؤالاً يطرح حول مدى رغبة “حماس” في القتال الآن.
أول أمس سجلت أحداث قليلة، مع الأخذ في الحسبان حقيقة أن قوات الجيش الإسرائيلي تحاصر مدينة غزة، وقد بدأت تعمل على المدخل الجنوبي والغربي. أمس، كان القتال أكثر شدة.
ولكن حتى الآن هناك انطباع يقول إن “حماس” تفضل إبقاء رجالها في الأنفاق في بعض الأماكن. ويرسلون خلايا صغيرة أمام القوات الكبيرة للجيش الإسرائيلي تركز على إطلاق قذائف مضادة للدروع من مسافة قريبة، وفي محاولة لوضع عبوات ناسفة على الدبابات وعلى ناقلات الجنود المدرعة.
ربما تريد “حماس” تريد المحافظة على أغلبية قوتها بهذه الطريقة.
إن رفض “حماس” أي مفاوضات حقيقية لإطلاق سراح المخطوفين في هذه المرحلة، يدل على أن وضع قيادتها ليس خطيراً حتى الآن. في الأيام الأخيرة يبدو أن هناك انخفاضاً معيناً في إطلاق الصواريخ على مركز البلاد.
ولهذا سببان كما يبدو: الصعوبة التي تواجهها “حماس” في الإطلاق من شمال القطاع إزاء هجوم الجيش الإسرائيلي، والرغبة في إبقاء ما تبقى من الصواريخ للمدى المتوسط للمراحل القادمة من القتال.
أيضاً الفترة التي ستستغرقها الحرب بحجم القوات الحالية محدودة. فالولايات المتحدة التي تؤيد عملية إسرائيل لهزيمة “حماس” تضغط في المقابل من أجل أعمال إنسانية أطول وتعطي إشارات إلى الحاجة لإجراء تغيير في طبيعة القتال على المدى البعيد. تريد قيادة المنطقة الجنوبية بضعة أشهر إضافية لاستكمال العملية وضرب “حماس” في شمال القطاع ومسح هذه المناطق بشكل جذري بهدف ضرب المخربين وجمع السلاح.
تتحدث الإدارة الأمريكية مع إسرائيل عن ملاءمة الخطة لاحقاً: انسحاب معظم القوات من القطاع، والانتقال إلى طريقة الاقتحامات المحددة ضد منظومات “حماس” في شمال القطاع، وربما في مناطق أخرى.
ما هو الواقع الذي ينوي الجيش الإسرائيلي رسمه لليوم التالي للحرب؟ لم تتضح الإجابات بعد بما فيه الكفاية. الاعتقاد هو أنه يمكن تفكيك قوة “حماس” العسكرية والتنظيمية وعدم تدميرها بالكامل، لأنه لا يمكن تدمير أفكار أو أيديولوجيا.
قادة الجيش خلافاً للأحاديث عن نتنياهو، لا يستخدمون مفهوم محو ذراع “حماسط العسكري. مع ذلك، ثمة تفكير بأن استمرار الهجمات الكثيفة على “حماس” سيؤدي في نهاية المطاف إلى التغيير؛ وأن الضغط المتزايد على منظوماتها في الشمال، وفقدان الذخر العسكري سيدفع قدماً باتفاق مستقبلي ما تشارك فيه قوات عربية
ودولية، من خلال إخراج “حماس” من اللعبة السياسية في الساحة الفلسطينية. هذه خطة ضبابية إلى حد ما، ومليئة بالفجوات بالصورة التي تحاول فيها وصف ما سيأتي، لكنها على الأقل تتعلق بهذه المسائل. نتنياهو رغم روحية الأمريكيين، يرفض تماماً التحدث معهم عن وضع النهاية المطلوبة.
جزء رئيسي في تحقق النجاح يرتبط بموضوع الأنفاق.
بالتدريج، يتبين للجيش أن كل ما عرفته الاستخبارات الإسرائيلية عن منظومة الأنفاق الدفاعية التي حفرتها “حماس” لا يرتقي إلى مدى معرفة ذكاء ودقة هذا المشروع، ربما هو المشروع الأكبر من حيث نوعه في العالم.
حسب رجال مخابرات في الغرب وفي إسرائيل، فإن قيادة “حماس” والذراع العسكري بنوا قدرات داخل الأنفاق تمتد أشهراً كثيرة. وزير الدفاع، يوآف غالنت، قال، في الأسبوع الماضي، إن إسرائيل طورت قدرة تكنولوجية جديدة لضرب الأنفاق.
وإذا تم تحقيق اختراق يمكّن من تدمير أوسع للأنفاق، فربما ستفقد “حماس” تفوقها النسبي، وستضطر لمواجهة الجيش الإسرائيلي في ظروف أقل راحة له. في سيناريو مثالي، قد يكون هذا هو الخطوة التي ستحطم التوازن الذي تبحث عنه إسرائيل.
نجبي الأثمان
ما زال الكابينت والجيش يرسمان سلم الأولويات للحرب في قطاع غزة. الجيش الإسرائيلي هناك في حالة هجوم. الجبهة الشمالية رغم هجمات “حزب الله” المتزايدة، الخصم الأقوى من “حماس”، تعطى لها الآن الأولوية الثانية. وإسرائيل هناك في حالة دفاع رغم أن الجيش الإسرائيلي يجبي بالتدريج من “حزب الله” أثماناً أكثر فأكثر.
الزيارة في قيادة المنطقة الشمالية ولدت أمس انطباعاً إيجابياً. في 7 تشرين الأول، بعد ساعات على الهجوم في الجنوب، تم إرسال قوات احتياط بحجم كبير إلى الشمال.
حسب ادعاء زعيم “حزب الله”، حسن نصر الله، فقد تفاجأ من توقيت هجوم “حماس” الذي لم يتم تنسيقه معه. وفي الوقت الذي توقعت فيه “حماس” انضمام إيران و”حزب الله” إليها واستغلال الضربة التي تكبدتها إسرائيل في الجنوب، ما زال حسن نصر الله متردداً.
استغل الجيش هذا الوقت لتكثيف الاستعداد الدفاعي. حتى اليوم التالي، كان قد نشر عشرات آلاف رجال الاحتياط على الحدود مع لبنان. فقد “حزب الله” قدرته على المفاجأة، ولكنه بدأ على الفور بالهجمات في مزارع شبعا، التي تطورت فيما بعد إلى إطلاق قذائف الهاون والصواريخ المضادة للدروع ومحاولة التسلل على طول الحدود.
منذ ذلك الحين وحتى الآن، قتل على الحدود ستة جنود ومدنيين إسرائيليين. عدد قتلى “حزب الله” والمنظمات الإرهابية الفلسطينية تجاوز حتى الآن الثمانين شخصاً.
هذا العبء تتحمله قوات الاحتياط بمساعدة قيادة المنطقة الشمالية وقيادة الفرق. ويجب عدم تجاهل إنجاز المنظمة الشيعية التي نجحت في إخلاء المستوطنات الإسرائيلية على الحدود من السكان. حسن نصر الله يصعد الهجمات في كل أسبوع، ولكنه يحاول البقاء تحت مستوى الحرب.
جميع العمليات على الحدود بيد “حزب الله”، حتى عندما تكون اليد المنفذة فلسطينية. يخطط “حزب الله” للهجمات ويساعد فيها. في الوقت نفسه، هناك استعداد لإمكانية فتح جبهة أخرى في هضبة الجولان السورية. لـ “حزب الله” بنية تحتية عملياتية هناك، وإيران تفحص إرسال مليشيات من العراق إلى المنطقة.
نتنياهو، في خطاب آخر قصير للشعب، تحدث أمس عن الحاجة إلى إعادة السكان على الحدود مع لبنان إلى بيوتهم وتمكينهم من العيش بأمان. المغزى العملي لهذه الأقوال، الذي يفضل رئيس الحكومة عدم إعطاء تفاصيل حوله، هو إبعاد أعضاء “قوة الرضوان” عن مناطق الحدود.
الجيش الإسرائيلي ضرب في السابق حوالي 100 موقع لـ”حزب الله” قرب الحدود، لكن هذا غير كاف.
رؤساء المجالس في المنطقة يقولون لقادة الجبهة الشمالية بشكل واضح: “لن نعود إلى بيوتنا إلى حين إبعاد قوة الرضوان من هناك. كلما نزلنا إلى الأسفل، من الحكومة إلى هيئة الأركان وإلى قيادة المناطق والألوية، نسمع أقوالاً حازمة أكثر بخصوص الحاجة إلى معالجة موضوع “حزب الله” بعد “حماس”، أو عند الحاجة في موازاة ذلك”.
يرى الأمريكيون ذلك بشكل مختلف، ويفضلون أن تركز إسرائيل على قطاع غزة. الوجود العسكري الأمريكي الكبير هنا استهدف ردع إيران و”حزب الله” عن ارتكاب خطأ يؤدي إلى اندلاع الحرب.
ولكن استطالة الحرب في غزة والاحتكاك المتزايد في الشمال يزيدان خطر ارتكاب الأخطاء. الولايات المتحدة من ناحيتها تتحسس القيام بعمليات سياسية، وتفحص استئناف الجهود لترسيم متفق عليه لخط الحدود، الذي بدأ قبل الحرب. في هذه الأثناء تصعب رؤية كيف يمكن لأحد الانشغال بذلك في وقت يجري فيه قتال على جانبي الحدود. على أي حال، يبدو أننا سنحتاج إلى أكثر بكثير من عملية سياسية لتهدئة سكان منطقة الشمال بأنه لن يتكرر هجوم إرهابي في مستوطناتهم مثل الهجوم الذي حدث في الجنوب.