عبد الناصر هياجنه - لستُ في وارد الحديث عن القانون الدولي لأنه قد انهار ومات فعلاً في العدوان الصهيوني المستمر على أهلنا الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر بالموت والغدر والخيانة والتآمر والخذلان من كل جانب. فالحديث عن القانون الدولي بمنظوماته ومؤسساته، والقانون الدولي الإنساني أصبح خارجاً عن أي سياقٍ نظريٍّ أو واقعي فقد قضى العدوان الصهيوني المدعوم دولياً على ميثاق الأمم المتحدة نصاً وروحاً، علاوةً على اتفاقيات جنيف الخاصة بقوانين الحرب، ونظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، وغيرها الكثير من المعاهدات والمواثيق والإعلانات الدولية التي لم تعد تساوي الحبر الذي كُتبت فيه!
أُشفقُ على الزملاء المتخصصين في القانون الدولي فماذا عساهم يقولون أو يفعلون! فلم يُبقي الكيان الصهيوني وكفلائه وعملائه على ما يمكن اعتباره قانوناً دولياً بأي مستوٍ من السيولة أو الضعف. لدنيا الآن كارثة وجرائم ضد الإنسانية تُرتكب على الهواء مباشرة ويراها المجتمع الدولي بالصوت والصورة من دون أن يرفَ له جفن أو يُبادر لفعل الحد الأدنى اللازم لقمع العدوان ووقف الجرائم ومساءلة المجرمين وانصاف الضحايا. ولعل من المفارقة أن المؤسسات الدولية التي يُفترض فيها إنفاذ القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وضمان حقوق الانسان فشلت بشكلٍ ذريعٍ حتى في حماية كوادرها التي تتعرض للقتل الممنهج.
هناك حاجة ماسّة لاعتبار السكوت عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وعدم اتخاذ ما هو لازم لمنعها وقمعها جريمة حرب. فلا يمكن ترك المجرمين يستعرضون قوتهم في قتل المدنيين العُزل، وقتل النساء والأطفال وقصف المستشفيات والمساجد والكنائس والمدراس والمنازل وغيرها من منشآت البنى التحتية والصحفيين وسيارات الإسعاف وكوادر المؤسسات الدولية. ولا يجوز السماح بالحصار وقطع سُبل الحياة الإنسانية عن الناس من خلال عقوبات جماعية تمس عصب حياة الانسان كالماء والغذاء والدواء والوقود ومستلزمات الحياة الأخرى.
إن ما يحدث على مرأى ومسمع العالم وبإقراره ودعمه أو مجرد السكوت عنه وعدم القيام بما يلزم لمنعه وايقافه وملاحقة مرتكبي الجرائم لهو نسفٌ لكل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية، وهو يضرب مصداقية وبراءة المجتمع الدولي في الصميم. فالساكتُ عن العدوان هو معتدٍ آثم ويعتبر شريكاً في الجرائم ويستحق الملاحقة الجنائية والإدانة والعقاب.
ليس من الممكن بعد الآن تصديق أن هناك قانون دولي على أي مستوىٍ من السيولة والهشاشة، فقد فشلت كل منظومات ومؤسسات المجتمع الدولي، وانتهت إلى غير رجعة كذبةُ حقوق الانسان، وسقطت بشكلٍ مؤسف كل الأولويات التي حاول البعض تمريرها لصدارة اهتمامات المجتمع الدولي كحماية البيئة والتنمية المستدامة وغيرها من العناوين البرّاقة التي لطالما تغنى بها غرب العالم وشماله، وتردد صداها في شرقه وجنوبه.
لا يملك المجتمع الدولي ترف الوقت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه إذا هو أراد فعلاً أن يُبقي على قليلٍ من الأمل في إصلاح ما أصاب النظام الدولي من عطب وفشل وتعفن. ولكن التآمر وغياب الإرادة الدولية وكذلك تناقضات النظام الدولي القائمة وبشكلٍ خاص في ميثاق الأمم المتحدة، والنظم الدولية الأخرى الاتفاقية والمؤسسية تلعب كلها دوراً حاسماً في انهيار القانون الدولي. وسيكون لهذا أثمانه الباهظة التي ندفعها حالياً، وستدفع الأجيال القادمة فواتير تقصير وفشل وتآمر المجتمع الدولي وتهاونه مع الكيان الصهيوني. وسيتعين على الأجيال القادمة أن تلعن الأجيال الحاضرة على ما اقترفته يداها بقتل القانون الدولي والسماح بإهانة وتدمير الإنسانية وطعنها في مقتل.