زاد الاردن الاخباري -
معركة دبلوماسية على خطى التصعيد، هي تلك المعركة الأردنية التي خاضها ويخوضها الأردن يومياً، بتحركات دبلوماسية اخترقت جدار الصمت، كان فيها الملك عبدالله الثاني، الأكثر تحركاً على الساحة الدولية منذ بدء الحرب على غزة، في مهمة هي الأكثر تعقيداً في ميدان السياسة الدولية، فماذا فعل الملك؟؟؟
لقد شكل السابع من أكتوبر صدمة عسكرية وسياسية صمت العالم بعدها مذهولاً، لكن لم يطل الصمت قبل أن تبدأ اسرائيل حربها الانتقامية، مدعومة برأي عالمي متعاطف، ودعم أمريكي أوروبي حازه الكيان الصهيوني بعد أن ساق الأسباب بوقوعه مقام الضحية، ليبدأ عدوانه الذي تجاوز به كل قواعد الحروب وأبسط قواعد الإنسانية تحت غطاء الدفاع عن النفس.
وأمام هول الادعاءات الزائفة، ووحشية الهجمة الاسرائيلية، تحدث الموت وأطبق الصمت من جديد، إلا من صوت واحد سمع العالم وصفه لما يدور في غزة، بأنه جريمة حرب وحشية الأحداث، نعم... كان هو الملك عبدالله الذي قالها وأضاف في خطابه للغرب: "هذ الصمت الدولي رسالة عالية وواضحة بأن حياتنا أقل أهمية من حياة الآخرين، وأن تطبيق القانون الدولي انتقائي، وحقوق الإنسان تتوقف عند الحدود، وباختلاف الأعراق، وباختلاف الأديان، وهي رسالة خطيرة جداً سيكون لها عواقب كارثية".
هذا الخطاب الملكي بات عنواناً للعديد من المقالات ومدار نقاش في عواصم العالم، وفي أروقة السياسة والإعلام، فبدأت الروح تعود شيئاً فشيئاً للحقيقة التي حاولوا قتلها، على وقع معركة دبلوماسية قادها الملك، توزعت بها الأدوار، وتنوعت بها الأدوات السياسية والدبلوماسية التي حاولت أن تيقظ الضمير الدولي، حتى جاءت رسائل الملكة رانيا لتترك أثراً مهماً في وجدان العالم بحضور كبير أزعج الاعلام العبري الذي هاجم حديث الملكة، ثم كان حديث أردني لرئيس الوزراء الخصاونة الذي أغضب بدوره دوائر مهمة في اسرائيل، أما وزارة الخارجية الأردنية فقدمت أداء رفيعاً في ليلة دبلوماسية تاريخية تبنى بها الأردن قراراً دافع عنه وزير الخارجية الصفدي ببسالة وتحدث باسم الأردن بكلمات سيذكرها العالم جمعت السياسة بالأدب، والحرب بالسلام، حتى كان للأردن ما أراد في قرار أممي يوجب وقف العدوان على غزة مع ضرورة حماية المدنيين، وليضيق هذا القرار على الكيان الصهيوني، وتتفتح عيون العالم بشكل أكبر على الحقيقة التي دافع عنها بعد ذلك الأمين العام للأمم المتحدة والكثير من قادة العالم والسياسيين وغيرهم متأثرين بحملة أردنية لم تهدأ.
كل ذلك، ما قبله وما بعده، ما كان إلا في سياق معركة سياسية ودبلوماسية أردنية اختلفت طرائقها وأساليبها وتوقيتاتها، فقد بدأ الملك ولم يتوقف حتى من قبل الحرب على غزة بأسابيع عندما أكد في الجمعية العامة للأمم المتحدة على حق الفلسطينين في الحصول على دولتهم والعيش على ترابها بسلام، واستمر جلالته بعد ذلك في نهج دبلوماسي تصاعدت حدة الخطاب به في محطات كأنها بنك أهداف دبلوماسية تتصاعد بتغير الظروف وصولاً إلى خطوط حذّر الملك من أنها ستكون إعلان حرب إن وقعت، وفي غضون ذلك استدعى الأردن سفيره من اسرائيل وخاطبهم، لا نريد سفيركم اليوم أو غداً، فهو كان قد عاد لكم سابقاً ونريده أن يبقى عندكم فلا حاجة لنا به أو فيه.
وهكذا، فقد مضى الملك بحراكه الواثق من خطاب عرش داخلي إلى لقاءات محلية، وجولات إقليمية ودولية خاطبت العقول والقلوب بحكمة لم تنقصها الجرأة والشجاعة، تفاعل معها القادة في الغرب وفي الشرق، وبدا وكأن العالم سارع بتغيّره تأييداً للحقيقة التي استيقظت صارخة في وجه الظلم والطغيان، وبدأ العالم يردد ويعيد ما قاله الملك بأن ما يجري جريمة حرب تنتهك كل القوانين، وبأن العنف دوامة إن هي بدأت فلن تتوقف، وبأن العالم سيندم إن فشل في إيقاف هذه الحرب، فاستمرار الحال من المحال أن يبقى دون أن يجر المنطقة والعالم لاتجاهات أكثر إيلاماً للعالم بأسره..
أما على الصعيد الإنساني فقد تحدث ولي العهد الأردني الأمير الحسين أمام شحنة من المساعدات الطبية والغذائية المتوجهة إلى غزة، وغصة في الصوت تظهر من حديثه المؤثر الذي سكن القلوب، ليقود الأمير الشاب جهداً إنسانياً بقوافل مساعدات انطلقت من عمان إلى سيناء ثم إلى غزة من معبر رفح، وغيرها من القوافل الخيرية الإنسانية التي تتابعت لغزة والضفة الغربية، وإنزال جوي إنساني هو الاخطر من نوعه اخترق سماء غزة بطائرة عسكرية أردنية صمت المكان لدى مرورها، معبّرة عن قوة دبلوماسية أردنية، وجبهة رسمية وشعبية متكاتفة هي الأقوى منذ عقود، عنوانها: نحن في الأردن لن نترك فلسطين التي أينع فيها زهر ارتوى من دم شهداء الجيش العربي والأجهزة الأمنية الأردنية، واليوم إن كان لدى الآخرين معارك وهجمات عسكرية فلدينا معركة دبلوماسية لا تقل أهمية أو ضراوة، وسنكسبها بإذن الله بجد واجتهاد وسعي حثيث ،حتى لو بذلنا في سبيل ذلك التضحيات.
فالقدس شقيقة عمان، وفي جسد العروبة والشرق رئتان، هما الأردن وفلسطين...
هذا ما يقوله الأردنيون ويردده الناس في فلسطين.